حزب جبهة العمل الاسلامي والمرحلة الجديدة

بإسدال الستار على الفصل الاخير من الانتخابات المكملة لأعضاء مجلس شورى حزب جبهة العمل الاسلامي بدأت ملامح المرحلة القادمة بالظهور . ولكن وقبل ان نتحدث عن المرحلة القادمة لا بد من تسليط الضوء على بعض ما رافق هذه الانتخابات من مجريات وأحداث ملفتة للنظر ، وتستحق الوقوف عندها وإبداء الرأي فيها وأهمها :-
اولاً : بعد الانقلاب الاسود في مصر يبدو ان اصحاب القرار في الاردن (ولا اقصد الحكومة !) يريدون تغيير طريقة التعامل (والتي لم تكن محموده اصلا) مع الحركة الاسلامية ، وبدا ذلك واضحا من التعليمات التي اصدروها لأصحاب الصالات الخاصة والعامة لمنع الحزب من عقد مؤتمره العام الرابع ، ونسي هؤلاء ان الايام دول ، وان للباطل ساعة ولكن الحق باق الى قيام الساعة ، و نسي هؤلاء او تناسوا ان كل الضربات والمحن والابتلاءات التي تعرضت لها الحركة الاسلامية على مدار تاريخها لم تزدها إلا قوة وثباتا وعزيمة وإصراراً على متابعة مشوارها ، وتحقيق اهدافها . كما لا يفوتني ان اذكر هؤلاء ان التضييق وإغلاق الابواب في وجه الحركة الاسلامية المدنية الراشدة يفتح بالضرورة المجال لحركات اخرى لا تؤمن بديمقراطيتهم المزيفة ، ولا حريتهم الكاذبة ، بل تؤمن بالسلاح حلاً وحيدا لاستئصال فسادهم المستشري وعهرهم السياسي ، وما داعش عنا ببعيد.
ثانياً : ان الانتشار الواسع للحزب وضمه لمجموعة كبيرة من النخب الفكرية والقيادية المتميزة جعل منه ساحة للحراك الفكري ، والتنافس الاداري ، وصل في بعض الاحيان الى تجاوز ما هو معهود من ابناء الحركة الاسلامية ، لذا لابد في المرحلة القادمة من مأسسة هذا الحراك وتقنينه والتعامل معه كواقع موجود وإخراجه من الكواليس والغرف المغلقة الى ساحات العمل وميادين الانجاز. كما ظهر جليا ان الغالبية العظمى من ابناء الحزب اثبتوا انهم يحكّمون عقولهم و قناعتهم في اتخاذ قراراتهم ، بمعزلٍ عن التأثيرات الفردية والمؤثرات الخارجية. كما لا يفوتني ان اذكر بان الانتخابات تفرز بالضرورة ناجحين وغير ذلك ، وهذا لا يعني بحال من الاحوال ان الذي لم تفرزه الانتخابات هو ضحية ، او انه اقل من الذين اختارهم اخوانه ، فلربما يكون هو الافضل والانسب ، ولكنها قواعد العمل الجماعي والذي يصبح فيه خطأ الجماعة مقدم على صواب الفرد ، مع حق الافراد بل واجبهم الاستمرار بالنصح والارشاد لتصحيح الخطأ ، وان ابسط مظاهر الروح الاخوية الرضا باختيار الغالبية حتى وان خالفت قناعتنا الشخصية ، وان هناك مجال ومتسع بل وحاجة لجهود الجميع كلٌ في مكانه ، لتتكامل الجهود وتصب في مصلحة النهوض بهذا الحزب . سواءٌ كنّا في مواقع قيادية ، او في صفوف العضوية. وعلى كل واحدٍ فينا المسا همة في وضع لبنة بناء لا حمل معول هدم .
اما بالنسبة للحديث عن المرحلة القادمة فباعتقادي أنها ستكون من افضل المراحل التي تمر بها الحركة الاسلامية في تاريخها ( علماً ان البعض اصابه نوع من الاحباط بعد الانتكاسة التي تعرضت لها الامة بانقلاب مصر ، ومحاولة اسقاطه على باقي بلاد الربيع العربي) ، ولا اقول ذلك حالما ولا ساذجا ولا اتمنى الاماني ، وإنما اقول : ان علينا ان نقرأ التاريخ جيداً ، ونستفيد من السنن الالهية في ادارة الحياة البشرية ، فبعد انطلاق كل ثورة لا بد من مرحلة مؤلمة ، محملة بالصعاب والماسي و الابتلاءات والمحن والفتن ، يمتاز فيها الخبيث من الطيب ، والغث من السمين ، والصالح من الطالح ، ونأخذ فيها الدروس والعبر ، ويتخذ الله فيها شهداء . ثم تكون بعد ذلك مرحلة النصر والتمكين ، وأظُنّنا قاب قوسين او ادنى من هذه المرحلة (ويسألونك متى هو قل عسى ان يكون قريبا). وعليه فإن المرحلة القادمة تستدعي اولئك الذين ثبتوا على مبادئهم وقيمهم وأفكارهم ، وفي نفس الوقت لديهم الاستعداد الكامل لتجديد وسائلهم وأساليبهم ، والنهوض والانطلاق بحزبهم ، نحو غدٍ مشرق ومستقبلٍ واعد ، ملؤه الأمل و التفاؤل ، يحقق الخير للوطن والأمة .
ان الحزب في المرحلة القادمة يحتاج الى رجال ونساء قادرين على العبور به من ضفة الخلافات والتقسيمات والتيارات الى ضفة الانجازات ، وتوحيد الجهود ، والاستفادة من مختلف الافكار ، وتوظيف كافة الخبرات والكفاءات ، لتحقيق اهداف كبرى ، وانجازات عظمى . وعلى كل عضو من اعضاء مجلس الشورى حاز ثقة اخوانه ان يستمع جيداً لكل الافكار و الأطروحات والشخصيات وان يلعب دوره المنوط به بكل كفاءة واقتدار دون توجيه او املاءات.
وأخيراً ان العمل الاسلامي ليس مجرد حزب ، وإنما هو حالة تضم كل العالمين لرفع هذا الدين والذين يرون في الاسلام ديناً ودولة ، عدلاً ورحمة ، حق ودعوة ، جهاد وشورى ، وهؤلاء هم الغالبية العظمى من ابناء وطننا الغالي ، وبهم نكون وبدونهم لا نكون .