لم نستعجل!
بالرغم من تأكيد وزير الخارجية ناصر جودة، على عدم وجود أيّ رعاية رسمية أردنية لمؤتمر المعارضة العراقية السُنيّة، الذي عقد في عمان قبل أيام، إلاّ أنّ التوضيحات التي تطلبها الحكومة العراقية، وقبل ذلك استدعاء سفيرها من عمان، يشيان بأنّ بغداد لم تشترِ هذا التفسير الأردني، وتنظر إلى عقد المؤتمر بحد ذاته على أنّه عمل مضرّ بمصالح حكومة نوري المالكي.
من الواضح أنّ التطورات الأخيرة في العراق بعثرت الرهان الأردني على تحسين العلاقات مع حكومة المالكي. إذ أخذت عملية إصلاح العلاقة مع الحكومة العراقية المقربة من طهران وقتا كبيرا من الأردن، ووصل "تطبيع" العلاقات مع الحكومة العراقية، ومحاولة تجاوز العراقيل والعقبات، حد التفكير جديا في مشروع أنبوب النفط الاستراتيجي الذي يمتد من الأراضي العراقية إلى ميناء العقبة الأردني، وهو الخط الذي يمكن أن يمنح الأردن ميزات كبيرة ويخفف من أزمته الاقتصادية.
تكمن معضلة الأردن الرئيسة في التعامل مع الأوضاع في العراق، في أن القراءة الرسمية الأردنية، غير المعلنة، تضع اللوم على حكومة المالكي، وتوصيف ما يحدث هناك على أنّه أقرب إلى "انتفاضة سنية" مسلحة؛ ما يعني أن السبب الجوهري للأزمة يتمثل في الحكومة العراقية. لكن على الطرف الآخر من المعادلة، فإن نتائج هذه الأزمة تتمثل في صعود الفوضى الأمنية الإقليمية، ونمو حالة التشدد والراديكالية الدينية، حتى في أوساط المجتمع السُنّي العراقي، ممثلة تحديدا في تنظيم "الدولة الإسلامية".
يجد صانع القرار نفسه أمام اعتبارات متعارضة؛ فمن جانب، يحتاج إلى صون مصالح حلفائه التي تساهم بدرجة حيوية في صوغ السياسة الخارجية الأردنية. لكن فشل "الصفقة الإقليمية" في اجتراح حل سياسي للأزمة العراقية، يضع الأردن أمام تناقض جوهري بين الدعم الأميركي للنظام العراقي من جهة، والموقف السعودي ضده من جهة أخرى؛ وبين عدم قدرته على اتخاذ موقف معادٍ للمجتمع السني العراقي، من جهة ثالثة؛ وقلقه الشديد من صعود تنظيم "الدولة الإسلامية"، من جهة رابعة.
من الواضح أنّ الهاجس الأكبر حالياً لعمان يتمثل في الجانب الأمني قبل الاقتصادي، أي العمل على إعادة ترتيب علاقته وتوسيع نفوذه مع قوى وشخصيات سُنّية عراقية بهدف إضعاف تنظيم "الدولة الإسلامية"، حتى وإن جاء ذلك على حساب العلاقة مع المالكي الذي تبدو فرصه بالبقاء رئيساً للوزراء خلال المرحلة المقبلة مهزوزة، مع وجود إشارات أميركية وعربية بضرورة التغيير، والوصول إلى شخصية توافقية من داخل الوسط الشيعي، لإقناع السُنّة بالعودة إلى العملية السياسية وسحب البساط من تحت أقدام "تنظيم الدولة".
من الطبيعي أن تعكس استضافة عمّان لمؤتمر المعارضة السُنيّة وجود ضوء أخضر إقليمي ودولي، ما يشي بالتخلّي عن المالكي الذي إن أصرّ على البقاء في السلطة، فإنّ ذلك يعني، بالضرورة، عدم إنهاء الصراع في العراق، وتراجع فرص الحل السياسي، وتزايد احتمالات السيناريو السوري؛ أي الحرب على أسس طائفية ودينية وعرقية، ما يعني -في نهاية اليوم- من زاوية المصالح والأولويات الأردنية، الاهتمام بالقوى السُنيّة، وتحديداً في الأنبار، لما لهذه العلاقة من أهمية كبيرة من منظور الأمن الوطني الأردني.
في الخلاصة، قد لا تكون استضافة مؤتمر السُنّة العراقيين رهاناً متعجّلاً، بل تعكس قراءة جيدة لمعطيات المشهد العراقي وانعكاساتها على الأمن الوطني. لكن من الضروري أن تنشط الدبلوماسية الأردنية لبناء منظور دقيق لمصالح الأردن، ولتشبيك العلاقات مع القوى السياسية السُنّية والشيعية على السواء، لتجنب خيارات غير مطمئنة كبدائل للمالكي، سواء نجح الحل السياسي، أو تمدّد "تنظيم الدولة" في حال ارتفع منسوب الفوضى الأمنية العراقية!