استئصال "داعش": الآن أو أبدا!
كثيرة جداً التقارير الإعلامية الغربية، ناهيك حتماً عن المعلومات الاستخبارية، التي كانت تؤكد منذ مدة طويلة، انتهاج رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي سياسة طائفية بأبشع صورها، حتى قبل الانسحاب الأميركي. وهي سياسة لم تكن تتوقف عند إقصاء المواطنين السُنة على الصعد كافة، بل توسعت إلى قتلهم وتشريدهم جماعياً باسم محاربة "القاعدة" و"البعث"، وضمن ذلك تصفية رموزهم، بما في ذلك قادة الصحوات الذين سمحوا باستتباب الحكم لطهران وحلفائها في بغداد بفضل مساعدتهم في هزيمة "القاعدة".
مع ذلك، فلا يكاد يكون ثمة شك في أن المالكي كان سيعود رئيساً للوزراء لمرة ثالثة، بل وإلى الأبد، ليواصل ذات السياسات، ولم يمنع ذلك إلا ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)!
تلك هي أخطر الرسائل التي بعثت بها إيران ابتداء، وبعدها أميركا، مع تحركهما أخيراً بضغط "داعش" أساساً، إلى إزاحة المالكي، والتأكيد على تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، استجابة للمطالب المحقة لا للسُنّة العراقيين فقط، بل أيضاً للأكراد وحتى لأحزاب شيعية عديدة.
وإذا طابقت الأفعالُ التصريحات المعلنة إيرانياً وأميركياً خصوصاً (من دون أن يعني ذلك قصر المسؤولية، أزمة وحلاً، عليهما)، فقد يكون ظهور "داعش" تجسيداً لمقولة "رب ضارة نافعة". وإلا فإن الرسالة الثانية التي ستبعث بها طهران وواشنطن، في حال التلكؤ ومحاولة شراء الوقت عقب كل التهويل الإعلامي بشأن التنظيم، لن تكون أقل خطورة وتهديداً من سابقتها، ولتمنحها مزيداً من الزخم.
فإذا كانت الصورة الإعلامية التي يرسمها أعداء "داعش" عن جبروت التنظيم ودمويته إنما تهدف إلى حشد أوسع تحالف دولي وإقليمي ضده، فإن ما لا يجب أن يغيب عن الذهن أن تواصل أسباب ظهور "داعش" ستجعل من هذه الصورة ذاتها، بكل ما تحمله من بشاعة ووحشية، بمثابة محفز لمزيد من الشعبية لهذا التنظيم لدى المهمشين والمهددين بأرواحهم على يد الأنظمة الحاكمة، في العراق وسورية تحديداً.
فـ"داعش" في هذه الحالة، سيغدو في نظر كثيرين، وهو كذلك الآن، نداً لجيشي المالكي والأسد، والبشمركة الكردية وفصائل المعارضة السورية، وحتى للولايات المتحدة، في وقت واحد! ولهذا السبب فعلاً، كان "داعش" أسبق من أعدائه إلى رسم تلك الصورة الدموية الوحشية عن نفسه؛ وهو، عن سابق وعي وتصميم، مصدر المواد الإعلامية ذاتها التي يؤمل أن تستخدم ضده الآن.
صار بدهياً ومعروفاً أن أعداء "داعش" وأكثرهم عرضة لتهديده الآن، كانوا ولربما ما يزالون من حيث لا يدرون، أهم المساهمين في إنشائه؛ بسياساتهم التي لم تحاول استشراف تبعات أفعالهم حتى لمسافة أبعد من أنوفهم بقليل. لكن هامش المناورة يضيق على هؤلاء الأعداء/ الداعمين، وقد ثبت أن التنظيم يتغذى فعلياً على ما يعتبرونها "انتصارات" على شعوبهم ودولهم.
وليكون هنا أصل الداء والدواء. فالمعركة الحقيقية لهزيمة "داعش"؛ الفكر قبل التنظيم، هي معركة كسب الشعوب مواطنين متساوين في الإنسانية والكرامة، لا إخضاع هذه الشعوب وتركيعها كما ظن المستبدون، فدمروا مهدي الحضارة الإنسانية؛ العراق والشام.