دار العجزة مفخرة حضارة
لقد كنت سعيداً جداً بالفرصة التي أتيحت لي للتعرف على واحدة من المؤسسات الحضارية العملاقة في تركيا ، مؤسسة تحتضن من الخير أسماء ومجالات ، وتقدم العون للمحتاج مسلماً ويهودياً ونصرانياً ، دون سؤاله عن واقعه ودينه ووطنه ولونه وعرقه .
ففي لقاء جمعني مع الدكتورة آيلين تشيفتشي رئيسة دار العجزة في اسطنبول ، حاولت أن أتطرق إلى دور الجمعية ورسالتها ، وظروف نشأتها التاريخية ، وعندها فاجأتني رئيسة هذه الدار بأنهم يحتفلون بانطلاقتها الخدماتية للعام ١٢٠ على التوالي ، أي أن ميلاد هذه المؤسسة سبق ميلاد تركيا الحديثة بأكثر من ربع قرن.
مفخرة حقيقية من مفاخر التاريخ ، تدخل من بوابتها العملاقة لتعرف حجم الحنان الذي يبذل للعجزة والأيتام ومن لا معيل لهم في الحياة ، مسجد وكنيس وكنيسة ، وورشات للرسم والعمل اليدوي لمن يحب من كبار السن ، وحدائق ومطاعم وتنظيمات عالية المستوى ، تستحق بها دار العجزة أن تحتفل بالذكرى الـ120 للتأسيس بكل عنفوان واعتزاز .
هذه الدار العامرة تم تأسيسها عام 1895 من قبل السلطان عبد الحميد الثاني، وكان أول من بادر مالياً بدعمها من ميزانيته الشخصية ، كما أمر السلطان بتأسيسها بسبب زيادة عدد الناس الذين بقوا في الشوارع جراء الحروب التي تخوضها الدولة العثمانية مع روسيا وفي جبهات أخرى متعددة .
اهتمام السلطان عبد الحميد بالذات بكل شيء وبكل تفصيل في تأسيس المؤسسة التي استغرقت فترة استعداد طويلة جداً كان له دلالة واضحة على الأولويات في حياته ، كما كان لتبرع السلطان عبد الحميد الثاني بثروته الشخصية لهذه المؤسسة أثر كبير على نفوس أهل الجود الذين أكملوا مسيرة دعمها من بعده .
دار العجزة اليوم .. صورة غير نمطية من صور العطاء ، وبنظرة على الدور والرسالة، يمكن لك أن تتعرف إلى أشكال العمل الذي يتصدر له ساسة الدول المسؤولون في دعم احتياجات شعوبهم ، والتكلف بحاجات المحتاجين والمعوزين ، فتلك وظيفة الدولة ، ويسندها مجتمع حاضن متفاعل مع مثل هذه المشاريع التي استمرت بالعطاء وتوسعت برغم تقلب السياسات والحكومات والظروف السياسية ، حتى إنك لتدخل هذه المؤسسة الشامخة فتقول : عملاقة النشأة عملاقة الأثر والبركة والخير المبذول .
المستشار د نزار نبيل الحرباوي