الحساسيـة مـن النـيـران الصـديـقـة
لا يمكن قراءة التصريحات الصادرة عن مسؤولين سابقين بلغة التشكيك والترهيب لمجرد مخالفتها السياسة القائمة او مناقضتها للموقف الرسمي لكونهم شغلوا مواقع سياسية سابقة , فالموقع سياسي بامتياز والموقف السياسي قابل للتغير والتطوير والمدان هو الجمود السياسي وليس التطور والحركة الى الأمام , ولا يعني مخالفة مسؤول سابق لقرار حكومي او لنهج حكومي أو آلية اقرار تشريع خروجه من رحم الدولة والانقلاب عليها , وكأننا نريد تكريس العقل الآحادي الذي نعاني منه اصلا في ادارة شؤون البلاد والعباد وندفع فاتورته من محصول الثقة الذي تراكم بالدولة طوال عقود سابقة .
صحيح ان ثمة مسؤولين سابقين يقلّبون وجهات نظرهم صوب المغرب والمشرق لمجرد خروجهم عن المقعد وكثير منهم ينحاز الى المناكفة دون حمل مشروع سياسي أو وجهة نظر تثري عملية تلاقح الافكار لإنتاج بيئة سياسية آمنة وهؤلاء لا يمكن مقارنتهم بساسيين كانوا يحملون وجهة نظر اثناء عملهم الرسمي وكان انحيازهم للمؤسسية يدفعهم الى القبول بالقرار الجماعي بل احيانا التنظير له بحكم الموقع وايمانهم بالعملية الديمقراطية ونهج الاصلاح التدريجي الذي يتسارع ويتباطأ وفقا لمحددات اقليمية ومحددات داخلية يلعب في عملية الإبطاء تيار محافظ يخشى الاصلاح لخشيته على الدولة من بعض رموزه ولخشية آخرين على مصالحهم وفق رموز ثانية .
فليس كل محافظ او منتمٍ الى تيار اليمين المحافظ يخشى على مصالحه بل بعضهم مؤمن بيقين انه يختار الانفع للدولة ولاستقرارها , خاصة من الذين لم يتورطوا في شبهات الفساد والاثراء من الدولة فهم ينتمون بأمانة الى المدرسة اليمينية السياسية التي تحظى باتباع كُثر في انحاء العالم ونحن لسنا استثناء , ومنهم كما باقي التيارات الاسلامية واليسارية من انضم الى الحالة ليستثمر فيها منصبا أو اثراءً وايضا هذا موجود في كل اصقاع الدنيا وليس منتجا اردنيا خالصا وظروف العمل الفردي وغياب مؤسسات انتاج القادة السياسيين رفع من حظوظهم , فغياب الحركة الحزبية عن ساحة العمل السياسي خلق بَوارا في الارضية السياسية .
الدولة ليست رخوة الى الحد الذي يضعفها تغيير موقف مسؤول سابق او يخلخل تماسكها انتقال وزير او رئيس وزراء الى خانة المعارضة لأن المعارضة ببساطة جزء اصيل من تكوين الدولة , وهذا الاختلال في فهم المعارضة كجزء من نسيج الدولة هو الذي يسهم بإظهار حالات الردود القاسية على المخالفين للموقف الرسمي او المغردين خارج السرب والحساسية الزائدة من مواقفهم وانتقاداتهم تحرف العقل الجمعي بدل تلاقيه على ارضية نقاشية سندتها الاوراق الملكية الأخيرة والسلوك الملكي طوال عقد ونصف , فكل ما يقوله المسؤولون السابقون موجود ومدعوم ومسنود من السلوك الملكي والأوراق الملكية وخطابات الملك , فلماذا الحساسية ووصف تصريحاتهم بالنيران الصديقة .
ثمة خشية من تنامي حالة الضغط على المعارضين من المسؤولين السابقين خاصة أولئك الذين يحملون وجهة نظر سياسية قابلة للتطبيق ولها سندها في سلوك الدولة وذاكرتها التي انحازت الى المعارضين السياسيين واستطاعت ادخالهم في حظيرتها التي اتسعت لكل الخيول السياسية الأصيلة بصرف النظر عن انتمائها الحزبي والسياسي وجلوسها في مواقع المعارضة سنين طوالا , بل ان كل من نتغنى بهم من ذوات , هم مخرجات احتضان الدولة للمعارضة من الشهيد وصفي التل الى المرحوم ذوقان الهنداوي وصولا الى الاستاذ عدنان ابوعودة وانتهاءً بالدكتور خالد الكلالدة , مع الاحترام لذوات لم يرد ذكرهم ولكن الحالة السياسية الاردنية نجحت وانتصرت على كل ضغوط الاقليم بتنوع العقل السياسي داخل مراكز صنع القرار الأمني والسياسي .