تصحيح المسار
كثيرة هي النقاط البارزة في التصريحات التي أدلى بها مؤخرا وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأستاذ الدكتور لبيب الخضرا الذي أعتقد أنه مقبل على " ثورة بيضاء" لإصلاح العلاقة بين مجلس التعليم العالي والجامعات الرسمية والخاصة ، التي وصفها بأنها جميعها مؤسسات وطنية .
ولعلي أتوقف عند نقطتين كمنطلق لنقاش واسع حول ما أفضى به الوزير من توجهات لمعالجة بعض المشكلات التي ما زالت تحد من عملية النهوض بهذا القطاع ، والذي سبق وأن أشرت إلى أن ضررها ينعكس على بقية القطاعات ، حين لا تتوافق مخرجات التعليم مع متطلبات السوق .
النقطة الأولى هي تلك المتعلقة بتوجه الوزير نحو إعادة تشكيل مجلس التعليم العالي بحيث يضم ممثلين عن القطاع الخاص ، والأهم من ذلك أنه حدد تلك العضوية في شخصيات تمثل الشركات الكبرى ، وبالذات من هم في مستوى المدير التنفيذي ، أي العضو الذي يدير شركات ناجحة بكل المقاييس ، ليكون إسهامه في النقاش وفي رسم السياسات قائما على الخبرة والمعرفة والإدراك الحقيقي لحاجات سوق العمل .
كل ذلك في إطار دور المجلس الذي يتولى وضع الإستراتيجيات والسياسات والإشراف على تنفيذها ، وقد أسعدتني شفافية الوزير إذ يقول " لقد حادت الجامعات عن مسارها الصحيح نتيجة تدخل المجلس بالتفاصيل " وكأنه بذلك يمهد للنقطة الثانية التي أود مشاركته في النقاش حولها ، وهي المتعلقة بتحرير مواد المتطلبات الجامعية ، التي يقذف الوزير كرتها إلى ملعب الجامعات نفسها ، لكي تختار ما يناسب خططها العامة من متطلبات تتيح لها فرص المنافسة فيما بينها ، بدل أن تظل نسخة واحدة ، وكأن لدينا في الأردن جامعة واحدة بأسماء مختلفة !
ولست أقصد أنني سأناقشه في هذا المقال حول هاتين النقطتين ، وغيرهما من النقاط الجوهرية التي وردت في حديثه الصحفي ، ولكنني أرغب في توجيه دعوة مفتوحة لحوار وطني يشارك فيه رؤساء مجالس الأمناء ورؤساء الجامعات والعمداء والخبراء كي يضع الجميع إطارا عاما يحدد ملامح المرحلة المقبلة ، فأفكار الوزير لم تأت من فراغ ، والمشكلات التي يتصدى لها اليوم شغلت بال كل من سبقه إلى المسؤولية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، ولكن تفعيل دور الشركاء يقتضي محاورتهم ، والاستماع إلى أفكارهم وتجاربهم ، بما يضمن النجاح لتلك التوجهات التي أصفها بلا تردد بأنها نقلة نوعية في قيادة مسيرة التعليم العالي ، إذا ما اكتملت حلقاتها ، وألزمت الأطراف المعنية بعضها بعضا بالواجبات الملقاة على عاتقها .
يمكن أن نقبل في هذه المرحلة " بتصحيح المسار " ولكن تحديد وجهته الصحيحة نحو المستقبل هو التحدي الأكبر أمام الوزارة والجامعات ، الرسمية منها والخاصة ، الكبيرة والصغيرة ، القديمة والحديثة ، فلقد فتح الوزير بابا على آفاق رحبة لحوار موضوعي حان وقته ، وحضر أهله ، وما علينا إلا أن نتحدى أنفسنا ، واختبار قدراتنا في إحداث التغيير والتطوير والتحديث الذي نرنو إليه .
وللحديث بقية !
yacoub@meuco.jo