أين أنتم ياولاة الأمر؟!
تنشغل الدولة الأردنية في كل مكان، من افغانستان الى سورية واليمن والعراق، والحمد لله على هذه الفرادة التي تشي بالعبقرية والنفوذ والتمدد تحت عنوان ان كل الحروب حروبنا.
غير ان حربنا الحقيقية تكمن في الداخل الأردني، والحرب التي تستحق ان توصف بكونها حربنا، هي الحرب ضد هذه الهمجية البدائية والبلطجة، التي نراها في مظاهر كثيرة، من اطلاق النار على الشرطة والدرك، وصولا الى مانراه من الاعتداء على أطباء وقتلهم بدم بارد، او تكسير المستشفيات والجامعات، وكل هذه الهمجية التي تتغطى بعناوين مختلفة.
هذه حربنا. وهي حرب يتم افشالها جراء ضعف القوانين، والعقوبات غير الكافية وثقافة «تبويس اللحى» لاثبات مروءة أهل الضحية او القتيل، فوق مصابهم.
يالها من مفارقة، فالذي يتم قتله ظلما كما في قصة طبيب مستشفى البشير الذي قتله مدمن مخدرات لانه لايريد منحه وصفة لحبوب التحشيش، قد يصير مطلوبا من أهله بعد قليل اثبات حسن اخلاقهم وطيب معدنهم، والعفو عن القاتل، والمصيبة تتنزل مرتين، الاولى بقتل الطبيب، والثانية بقسوة المجتمع الذي يريد امتحان انسانية اهل القتيل، عبر احراجهم بالعفو والتسامح.
هيبة الدولة لايتم فرضها فقط عبر عشرات دوريات الشرطة في الشوارع، مع تقديرنا لاولئك الشباب الذين يسعون لبث الأمن، والبحث عن المطلوبين، صيف شتاء، وهيبة الدولة يتوجب استرجاعها بطرق مختلفة جديدة، اقلها زيادة عدد الكوادر الامنية والقضائية، وفرض الامن بالقوة، وعدم التسامح مع الذين يخرقون القانون، وانهاء ثقافة العطوة التي باتت سببا في زيادة الجريمة لا حقن الدماء كما كان سائدا.
حربنا الحقيقية على هذا الفلتان، فالبلد مخزن سلاح، والانسان لايساوي رصاصة، والكل يتهجم على الكل، والحاضنات الاجتماعية للاسف الشديد، تدافع عن المجرمين، فيصير المجرم مرات بطلا او شهيدا، يراد من المجتمع والدولة تقديم التبريرات عن سبب تغبير حذاء المجرم خلال ملاحقة، لكن لا احد يجرؤ على سؤال اهله ايضا، عن الاضرار التي تسبب بها نجلهم الكريم من تخريب او قتل او غير ذلك من افعال، فتسأل عن سبب وصولنا الى حالة لايتبرأ فيها الاهل من مجرم، ولا يشاركون في حفظ الامن عبر موقف غير غرائزي.
هذه هي حربنا. ضد الجهل والتجهيل والعصبيات الفارغة، والذهنيات الملوثة على اساس سياسي او رياضي او عائلي، او على اساس يسمح بالتطاول على مستشفى او جامعة او قانون او مؤسسة، او على جار او قريب او بعيد، هذه الذهنية التي باتت سائدة، وتؤشر على مرض عميق يعصف بالمجتمع، ويجعله ينقلب الى مجتمع خشن وصعب يعتدي فيه الجميع على بعضهم، لاتفه الاسباب، دون اي كلفة.
رئيس جامعة اتصل بي قبل ايام، ليشكو من ازدواجية المجتمع، ويقول إن جامعته شهدت مشاجرة، وهو على وشك ان يتخذ قرارا بفصل عشرات المتشاجرين، وبعضهم ادخل السلاح الى الجامعة، ويزيد ان كل الرموز الاجتماعية والسياسية والنيابية، التي تخطب علينا ليل نهار وتطالب علنا بتطبيق العقوبات، على هؤلاء، هم ذاتهم من اتصلوا به سرا ليضغطوا عليه، كي يتراجع عن قرارات الفصل، متسائلا، عن الكيفية التي ستصلح بها البلد، بهذه الطريقة.
قصة طبيب البشير، والتطاول على الاطباء، اصحاب ارقى مهنة، وطليعة اي بلد، نثرت الملح على الجرح، لانها فتحت ملفا اكبر، ملف عملقة الهمجية في سلوكياتنا عموما، واني لاسأل عما تبقى لنا من فخر زائف، بشأن انفسنا، امام مانراه من اعتداءات يومية وتجاوزات دموية، يندى لها الجبين، دون ان يتحرك احد، لا لتعديل العقوبات، ولا لفرض القانون بالقوة، علينا اجمعين، دون استثناء لاحد.
ويبقى السؤال: اين انتم ياولاة الامر عما يحدث كل يوم، وهل بات الاعتياد على الذي يحدث سببا اضافيا للتراجعات التي نعيشها؟