مكانة الأردن بعد الفيفا

نجح الأمير علي بن الحسين ، في معاندة جوزيف بلاتر وفريقه وداعميه ، والتقدم لمنافسته على موقع رئاسة الإتحاد العالمي لكرة القدم الفيفا ، وهو موقع لم يستطع شخصية كروية رفيعة المستوى بمكانة ميشيل بلاتيني رئيس الأتحاد الأوروبي التقدم لها ، نظراً لمعرفته بقوة بلاتر وإتساع نفوذه ، رغم أن بلاتيني عضواً في سجل العظماء الكرويين مع بيليه البرازيلي وبيكنباور الألماني .
بلاتر يملك ثلاثة مصادر من القوة :
أولاً : نجاحه في إدارة الأتحاد لعشرات السنين ، حّول الفيفا خلال عهده إلى مؤسسة قوية مالياً وإدارياً وجماهيرياً ، وساهم في جعل كرة القدم حقاً اللعبة الشعبية الأولى بلا منازع على المستويات الوطنية والأقليمية والدولية ، فالنجاح الذي حققه للعبة كرة القدم وللإتحاد والثروة المالية المتوفرة لدى خزينته شكلت تعبيراً عن النجاح والتفوق بكافة المعايير والمقاييس ، خلال سنوات رئاسته للفيفا وإدارته لها.
ثانياً : خبراته المتراكمة في إدارة الأتحاد لفترة طويلة جعل منها أدوات نفوذ ، وكوّن مخالب ، ورسّخ مصالح مشتركة مع العديد من ممثلي البلدان والأتحادات لصالح إعادة إنتخابه ، على الرغم من المخالفات والتجاوزات التي تمت بعهده .
ثالثاً : إنحياز كل من روسيا وقطر لصالحه ، فقد حققت روسيا نيل عقد مباريات الدورة الكروية لعام 2018 على أراضيها ، وقطر لمباريات الدورة 2022 ، وللطرفين مصلحة في ثبات البرنامج وأجندته وإجراء مباريات الدورتين لديهما وعندهما ، وهو قرار ما زال موضع تساؤل على خلفية شبهات رشاوي تم تقديمها لنيل إنعقاد الدورتين لدى البلدين ، وغياب بلاتر قد يؤدي إلى إعادة النظر في خياري موسكو والدوحة ، مما دفع العاصمتان كي تتدخلا لمصلحة استمرار بقاء بلاتر رئيساً للإتحاد ، وواضح من الإنحيازات الأسيوية والأفريقية لشخص بلاتر أن ثمة من دفع وقدم وأرشى كي تبقى هذه البلاد الفقيرة ، أسيرة الأنحياز لخيار بقاء بلاتر لأنها قبضت الثمن مقابل وضع ورقة الأقتراع لصالحه .
مقابل هذا النجاح الذي حققه بلاتر ، هناك العديد من الأتهامات والمخالفات والتجاوزات والتغطية على رموز فساد ، وعلى استغلال النفوذ ، والتي تم تسميتها اختصاراً “ بعاصفة الفساد “ اجتاحت أروقة وسمعة ومفاصل إتحاد كرة القدم بعهده وفي رعايته ، وهي ضمن المعايير الأوروبية والأميركية تستوجب الأستقالة حتى ولو كان بلاتر بريئاً وغير متورط مع الأخرين ، كما قال وأشار وألح ميشيل بلاتيني ، فالتغيير مطلوب وضروري بعد فترة طويلة من “ هيمنة بلاتر “ حتى ولو كان ناجحاً ، وتقديم الإحتجاجات لم تقتصر على بلاتيني فقد طالب رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر صحفي معلن بمشاركة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ، برحيل بلاتر وتنحيه بسبب شبهات الفساد التي طالت العاملين معه في الفيفا ، بما فيها نائبه جيفري ويب .
التغيير مطلوب ، سواء كان بلاتر نظيفاً مستقيماً فوق الشبهات ، أو كان متورطاً ، ولكن لم يكن أحد يملك شجاعة الاقدام على التقدم لمنافسة بلاتر ، فكان الأمير علي بن الحسين الذي ملك الخبرة الشخصية والعزيمة والرغبة في العمل من أجل إنقاد سمعة اتحاد الفيفا ونظافته ، ومن أجل تطوير مؤسسة كرة القدم والتقدم على ما تم إنجازه وترسيخه ، ولكن أدوات الأمير ومظلة الاسناد له لم تكن كافية لتحقيق التغيير المطلوب ، ولذلك حقق الأمير علي بن الحسين الخطوة الأولى عبر إمتلاك شجاعة القرار في المنافسة ، وإن لم يحقق النتيجة المطلوبة في الاطاحة بديكتاتور الكرة الدولية جوزيف بلاتر ، ولكنه أقدم على خطوة نوعية على الطريق ستفضي إلى النتيجة المطلوبة ، مهما طالت الفترة الزمنية أو قصرت ، ويكون الأمير الأردني قد فتح بوابة لمبادرة أخرى يمكن أن يُقدم عليها نفسه ، أو يشجع أخرين للتقدم نحوها ، لأن عرش بلاتر قد تم هزه ولن يصمد طويلاً .
منافسة الأمير علي بن الحسين على موقع رئاسة الفيفا مكسب كبير لسمعة الأردن ، فمكانة الأمير كإبن للحسين وشقيق للملك عبد الله الثاني ، جعلت اسمه واسم الأردن والفيفا في حالة حضور ليس من الساهل تجاوزها أو القفز عنها وهي لا شك رصيد كبير لنا كأردنيين وكعرب ، لأنها تعني أننا نملك مقومات الحضور والمنافسة بشرف وكبرياء كما فعلها الأمير لنفسه ، ولنا جميعاً .