شيء آخر !
في مقالي السابق طرحت سؤالا " هل نحن قادرون على الاعتماد على الذات ؟ " أجبت في آخر المقال " نعم " فاتصل بي صديق يسألني " كيف ذلك من دون أن تتوفر لنا عناصر الاكتفاء الذاتي ؟ " فقلت على الفور الاعتماد على الذات شيء ، والاكتفاء الذاتي شيء آخر ، يختلف معناه بالنسبة للفرد عن معناه بالنسبة للدول ، وفي الحقيقة ليس هناك اكتفاء ذاتي بصورة مطلقة ، ولكن هناك اكتفاء ذاتي اقتصادي نسبي تسعى إليه الدول حسب مواردها الطبيعية وقدراتها البشرية والمالية .
وقد يكون الاكتفاء الذاتي في بعض الدول مؤشرا على التخلف ، كما هو الحال لبعض الأقاليم التي تعيش اقتصاد الكفاف ، فهي لا تصدر ولا تستورد ، وتعيش على ما تنتجه كثيرة أو قليلة ، وفي غياب الحد الأدنى من الخدمات ، أو المقومات اللازمة للدولة العادية ، ولكن المتفق عليه هو الاكتفاء الذاتي النسبي ، الذي هو عملية اقتصادية تهدف إلى تقليص اعتماد الدولة على علاقاتها الخارجية في تلقي المعونات والمنح والقروض، بما يحقق مبدأ التوازن والتحرر من القيود والشروط ، والتبعية في اتخاذ القرار الوطني.
لقد خاض بلدنا الأردن تجربة مريرة في مسألة المعونات الخارجية والمنح ، والسبب في ذلك غياب الثقة بالذات ، وبالتالي عدم التفكير في الاعتماد على الذات ، وقد سمعنا على مدى عقود طويلة من يقلل من قيمة مخزوننا من الفوسفات ، والبوتاس ، واليورانيوم ، والصخر الزيتي ، واختلف الخبراء حول ما إذا كنا نملك ثروة نفطية ، أو مخزونا هائلا من المياه الجوفية ، فبعضهم يحلف الأيمان بأننا نملك تلك الثروات ، والآخر يسخر من هذا كله ، فأين الحقيقة ؟
ولا أتردد في القول إن للاكتفاء الذاتي مخاطره ، وربما آثاره السلبية في عصر العولمة والتجارة الدولية ، والنظام الاقتصادي القائم ، لكن الاعتماد على الذات مطلب ضروري ، يزيد من قيمة ومكانة الدولة في محيطها الإقليمي والدولي ، بل ويعزز من أمنها واستقرارها ، واحترام الآخرين لها ، ونحن مطالبون اليوم بتحديد عناصر الاعتماد على الذات ، والسعي إلى تحقيق ما يمكن تحقيقه على مراحل ، وفق إستراتيجية طويلة الأمد ، ولكنها ثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص أو الحكومات !