جحود الدولة ودوائـرها للاعلام والصحافة
لم تنجح الدولة الاردنية في اجتياز الربيع العربي وتوابعه وانعطافاته وفجاءاته لولا رسوخ الاعلام الاردني والصحف اليومية في مقدمتها على مبدأ وطني واضح ، والتزامه بالمعيار الوطني العام وليس المصالح والاصطفافات كما فعلت اجهزة اعلام عربية اودت بأوطانها الى التهلكة رغم اسبقيتها العمرية والانتشارية وتنعمها بخيرات السلطة ونعيم المعارضة ، فالصحف في مصر قومية بالكامل بمعنى الملكية ، ولا تقل صحف المعارضة قومية بمعنى الملكية لرجال اعمال اثرياء جدا او لاحزاب مدعومة من دول الثراء .
الدول عادة تمسك على اعلامها وصحافتها وتحاول قدر المستطاع استمالته ليكون جسرها للوصول الى الناس وحاملا لرسالتها الى جمهور المواطنين ، وهذا ليس سلوكا محصورا بدولة بعينها او قارة بعينها بل هو سلوك كل الدول الثرية والفقيرة ، الضاربة جذورها في الديمقراطية او تلك التي تعيش عصر الزعيم الاوحد والاحكام العرفية ، فالكل يبحث عن ارضاء الاعلام والصحافة حتى يستطيع انتاج علقة بمسربين مع الناس او بإتجاهين ، ما تريده الدولة ودوائرها واجهزتها ، او ما يريده جمهورها ومواطنها منها ، فاسرع الطرق للايصال والاتصال هو الاعلام .
الدولة الاردنية كانت من بواكير الدول المشرقية التي عرفت قيمة الاعلام والصحافة وضرورتها ، فأولته اهتمامها وجل عنايتها ورعايتها وبنته على فكرة الاعلامي والصحفي المؤمن بالدولة ورسالتها ، وكانت الاذاعة تصنع رئيس وزراء وتصنع عسكرا مسنودا برأي عام ، والناس تذكر ان ابرز زعيم وطني اردني تسلم رئاسة الوزراء جاء من الاعلام واعني وصفي التل رحمه الله ، حيث كان الاعلام مصنع الرجال وليس البيزنس وطعجة الاحوال والغنج في الاقوال ، فنجت الدولة من اعاصير الاقليم بفضل رسالتها التي حملها الاعلام والصحافة بأمانة ، وكانت الاذاعة الاردنية الهاشمية تقارع صوت العرب الناصرية ، فكل اذاعة تحمل رسالة لبناء دولة .
في خلسة من الوعي واللحظة الراهنة ابتعدت الدولة عن رسالتها واخشى ان الرسالة طارت في هواء البيزنس وصراعات الاجنحة والنخبة ، فباتت علاقة الاعلام والصحافة مع الدولة مبنية على المواقيت والأهلة الاقليمية ، فإذا ما ادلهم خطب على الداخل او اجتاحته قنابل الارهاب ، فالاعلام والصحافة اول الجنود واول الفدائيين ولا أستثني اية وسيلة اعلام او صحيفة مهما كانت صغيرة او كبيرة مقروءة او مسموعة او مرئية ، حتى الاعلام الالكتروني الحديث الذي نغضب منه كثيرا ، الا انه في معارك الوطن كان صلبا ومقاتلا .
طوال الربيع العربي وهواتف الاعلاميين لم تهدأ ، وليال طويلة لم تغمض جفونهم ، وفي كل منعطف كان الاعلام والصحافة يحملان المشعل وينير الدرب لصانع القرار ، يبني حواجز الدولة ومتاريسها في وعي المواطن وليس في شوارع الوطن ، نذكر ايامها حجم الاتصالات وحجم التواصل ، واخشى ان ازل واقول بأن الازمة التي تعيشها الصحف لو اعلنتها الادارات وقتها لجمعت الملايين ولكنها اخطأت حين رحلت ازمتها خشية على الدولة وازمتها في الربيع العربي .
اليوم تدير الدولة ظهرها للاعلام وللصحافة ، واجزم بانها ادارت ظهرها لكل الوطن وباتت منحازة لمصالح فئة قليلة من سدنتها ، تحمي مصالحهم وتقوم بتوريثهم الدولة والناس وليس المناصب فقط ، واظهرت الدولة لاول مرة سلوكا متوحشا بل جحودا ونكرانا لكل من وقف معها ، فالطبقة العازلة تمسك بمفاصل الابواب رافضة السماح لصوت المواطن ان يصل ، وتمنع عنه نسمة هواء الامل .
الدولة بنت ورسمت علاقتها مع الاردني على الحب والمحبة والتسامح وثمة من يعبث بحجر اساس العلاقة ، ويبحث عن انكار الرسالة التي قامت عليها الدولة ، لذلك بدأ بقتل الاعلام والصحافة اللذين كانا سلاح الدولة الاستراتيجي واخشى انه نجح ، فالفراغ يتسع بين الدولة والموطن ، فلا احد يمكن ان ينتمي او يحمي دولة جاحدة .