التكامل الفلسطيني
سجل أحد الاصدقاء المتابعين أن اهتماماتي بقضايا المكون الفلسطيني الاول، الذين بقوا على أرضهم في مناطق الاحتلال الاولى عام 1948، أكثر من اهتمامي لقضايا المكون الثاني أبناء القدس والضفة والفلسطينية والقطاع ، أو لقضايا المكون الثالث من أبناء اللاجئين والمخيمات وبلدان الشتات، وهذا صحيح من حيث الشكل، وغير دقيق من حيث المضمون ، فالكل الفلسطيني واحد، والمكونات الثلاثة مكملة لبعضها البعض في نسيج انساني لشعب واحد متحد على المعاناة والوجع ، مثلما هو متحد على التطلعات ونحو المستقبل ، وتركيزي كباحث متفرغ ينبع من ايلاء هذا الشق من مكونات الشعب العربي الفلسطيني الاهتمام في ابراز دورهم الكفاحي كجزء من الفلسطينيين تم اهماله ، ولهذا عملت بحثياً وسياسياً ومعرفياً في تقديمه كجزء من الكل الفلسطيني ، وسأواصل العمل لاكمال النجاح الذي حققته ، خاصة وأن تطورات نوعية اجتاحت هذا الجزء من الشعب الفلسطيني ، عززت من مكانتهم وسيكون لهم الدور المقرر في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، وفي عمليات اتخاذ القرار ، وفي الرؤية لأشكال ومضامين الحل لهذا الصراع ، سواء على أساس حل الدولتين ، أو على أساس حل الدولة الواحدة ، وهذا الاستخلاص ، لم يأت من فراغ ، أو من قرار ثوري ، أو من ضربة معلم لشخص فهلوي ، بل جاء حصيلة الخبرات والتجارب المريرة التي مر بها هذا القطاع من شعبنا ، وهو في قلب الحوت الاسرائيلي ، وسبق له أن تخلص من الحكم العسكري عام 1966 ، وعانى من القهر والجوع سنوات ، وتعلم من الفرص المتاحة واستفاد منها وطّور نفسه من خلالها ، وصمد وناضل ونال قسطاً كبيراً من الحضور والاحترام ، وهذا يعود لسبب جوهري وهو تطور العامل الذاتي السياسي الحزبي ، وللدور القيادي للحزب الشيوعي الذي كان له الفضل الكبير باعتباره الحزب الوطني الوحيد الذي بقيت قياداته داخل الوطن ، وتحملت أعباء المواجهة والصمود ، من توفيق طوبي الى توفيق زياد ، ومن جورج طوبي الى اميل توما ومن اميل حبيبي الى محمود درويش وسميح القاسم ومحمد علي طه وغيرهم العشرات بل المئات من الكوادر الشيوعية الذين ساهموا بصياغة وعي شعبهم وليس انتهاءاً بمحمد بركة ومحمد نفاع ورامز جرايسي ، اضافة الى القيادات الوطنية والقومية ، قيادات حركة الارض ، وعبد الوهاب دراوشة وطلب الصانع وقيادات اسلامية خلاقة وقف في طليعتهم وقادهم عبد الله نمر درويش ودوره المؤثر في قيادة المجتمع وفي تأسيس الحركة الاسلامية وادارته لها وفي دفعه نحو خيارات واقعية صائبة نمت على عاملين : أولهما صلابة الانتماء الوطني القومي الديني ، وثانياً اتساع الافق مع الانفتاح بعيداً عن الانغلاق والتعصب والعزلة مما وفر مظلة من الاصدقاء المؤيدين لقضايا الشعب الفلسطيني من بين صفوف الاسرائيليين ، لم يقتصر عملهم ونشاطهم على تأييد قضايا الشعب الفلسطيني ، بل والانخراط فيها والمشاركة في أفعالها والعمل على تحقيقها .
لندقق بما قامت به عايدة توما سليمان ، النائب الشيوعية عن القائمة المشتركة العربية اليهودية في البرلمان الاسرائيلي فقد قدمت مشروع قانون للكنيست تطالب فيه ومن خلاله “ الغاء قانون المواطنة “ العنصري ، الذي يمنح حق الهجرة لليهود الاجانب الى فلسطين وحصولهم على الجنسية الاسرائيلية في سياق “ برنامج العودة “ بينما يمنع اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من اللد ويافا وحيفا وعكا وبئر السبع من العودة الى بيوتهم ومدنهم وقراهم ، ومن استعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها ، والتي سبق وأن تم مصادرتها ونهبها من قبل المؤسسة الاسرائيلية .
حكومة نتنياهو وأحزاب الائتلاف ، اعترضت على مشروع القانون الذي قدمته النائب عايدة توما سليمان ورفضته وصوتت ضده ، بينما خرج نواب حزبي المعارضة “ المعسكر الصهيوني “ و “ يوجد مستقبل “ من قاعة البرلمان حتى لا يشاركوا في التصويت بنعم أو بلا ، بالموافقة على مشروع القانون أو برفضه ، واقتصر التصويت الايجابي لصالح مشروع القانون على كتلة القائمة المشتركة ( 13 نائب ) ومعهم كتلة حركة ميرتس اليسارية ( خمسة نواب ) ، والتي سبق وأن اقترفت قيادة القائمة المشتركة خطيئة سياسية أنها لم تتحالف مع حركة ميرتس في اطار اتفاق فائض الاصوات الذي كان يمكن أن يوفر مقعداً اضافياً واحداً لصالح حركة ميرتس ، فيما لو قبل قادة القائمة المشتركة العربية على خوض الانتخابات يوم 17/3/2015 ، باتفاق فائض الاصوات مع حركة ميرتس .
لنلاحظ أهمية ما قدمته النائب عايدة توما سليمان ، فقد طالبت بالغاء حق عودة اليهود الى فلسطين ، وطالبت بالسماح للاجئين الفلسطينيين بحق العودة الى وطنهم واستعادة ممتلكاتهم المصادرة والمنهوبة ، وهي بهذا تضيف البعد الثالث لعناوين القضية الفلسطينية ومقدمتها ، وتسلط الضوء عليها من أهم منبر اسرائيلي ، من على منصة الكنيست ، وهي قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة الى مناطق 48 واستعادة ممتلكاتهم المصادرة على أرضها .
الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، والصراع بين المشروعين الوطني الديمقراطي الفلسطيني من جهة ، والاستعماري التوسعي الاسرائيلي من جهة أُخرى ، يقوم على ثلاثة عناوين هي : التمييز والعنصرية في مناطق 48 ، والاحتلال والاستيطان والتهويد لمناطق 67 ، والتشرد والابعاد والنفي للاجئين الى خارج وطنهم فلسطين ، ولذلك يسعى أبناء 48 من أجل تحقيق المساواة ، وأبناء 67 نحو الحرية والاستقلال ، واللاجئون نحو تحقيق العودة واستعادة ممتلكاتهم .
قضيتا العمل من أجل المساواة ، والنضال من أجل الاستقلال ، باتتا واضحتين بجلاء وموضع اهتمام المجتمع الدولي ، وفي صُلب النقاشات الاميركية الاسرائيلية ، وباتتا موضع خلاف وتباين في الرؤية بين واشنطن وتل أبيب ، ولكن القضية الثالثة وهي الاقدم وهي الاكثر معاناة ، قضية اللاجئين لم تعد القضية الحيوية والساخنة وقضية استحقاق يجب تناولها بالاهتمام الفعلي المطلوب ، فثمة محاولات لشطبها أو للمساومة عليها ، ومن هنا تبرز الاهمية السياسية والوطنية والحقوقية التي بادرت اليها عايدة توما النائب في الكنيست الاسرائيلي من القائمة العربية اليهودية المشتركة بطرح القضية أمام المجتمع الاسرائيلي عبر محاولة تقديم مشروع قانون يلغي مضمون قانون المواطنة واستبداله بقانون ديمقراطي غير عنصري يعط الحق للاجئين الفلسطينيين بالعودة الى المدن والقرى التي طردوا منها أسوة باليهود الاجانب الذين لا صلة لهم بفلسطين الا من زاوية أيديولوجية ، ومع ذلك يعطيهم القانون العنصري حق الهجرة الى فلسطين والحصول على الاقامة والجنسية .