عدن: فاتحة الحل السياسي أم بوابـة التصعـيـد والتقسـيـم؟
تضارب المعلومات حول الوضع الميداني في مدينة عدن، لا يحجب حقيقة أن قوات “التحالف” نجحت في بسط سيطرتها على أجزاء واسعة من “عاصمة الجنوب”، إن لم يكن على المدينة بمجملها، في أول – وربما آخر – إنجاز ميداني ملموس تحققه “عاصفة الحزم”، منذ أن هبت ريحها “الصرصر” على اليمن... البعض قد يجادل بأن الحرب كرٌ وفر، وأن انسحاب الحوثيين وحلفائهم منها، لا يعني توقفهم عن محاولات العودة إليها، بيد أن ذلك كله، لا يقلل من شأن التطور الميداني النوعي الذي تحقق في الأيام القليلة الفائتة.
نقول أول إنجاز، لأن قوات التحالف وحلفاءها، لم تستطع طوال أربعة أشهر من القصف البري والبحري والجوي، ومن محاولات الاختراق والإنزال، دع عنك أطواق الحصار المحكم المضروب على البلاد من جهاتها الخمس، أن تحقق هدفاً ملموساً على الأرض، غير تدمير المعسكرات والمقرات والمرافق العامة وشبكات الطرق والكهرباء والمياه والمدارس والجامعات والمستشفيات ... ونقول “آخر إنجاز”، لأن معركة عدن، ربما تكون آخر المعارك الكبيرة التي سيشهدها اليمن، بعد أن ضاق العالم بأسره، ذرعاً بهذه الحرب العبثية، التي لا طائل من ورائها سوى إدماء اليمن وإفقار أهله وتحويل مدنهم وبلداتهم إلى أكوام من الخرائب والأنقاض.
من الآن فصاعداً، سيعمل التحالف بكامل طاقته، من أجل تثبيت هذا “الإنجاز” على الأرض وتحصينه، إن لم يكن من أجل الانطلاق إلى معارك أخرى، فأقله من أجل تفادي خسارة المدينة الاستراتيجية مرة ثانية، سيما وان خصوم التحالف لم يرفعوا الراية بعد، ولن يسلموا بسقوط العاصمة الثانية للبلاد، ومن المتوقع أن تشهد البلاد عمليات كر وفر، هجمات وهجمات مضادة، ما لم ينجح المجتمع الدولي، في خلق آلية جدية للحوار والمصالحة بين مختلف الأطراف المتحاربة، وهو أمر تدعو إليه مختلف عواصم العالم والإقليم، وتحديداً واشنطن، التي أظهرت غير مرة، ضيقها بـ “عاصفة الحزم” برغم تأييدها رسمياً للعملية من باب استرضاء الرياض، و”تطييب خاطرها” بهدف تسويق وتسويغ “الاتفاق النووي” مع إيران.
الرئيس الأمريكي في تصريحاته الأخيرة، قال كلاماً واضحاً بخصوص الحاجة لوقف الحرب في اليمن وعليه ... وكذا فعل مسؤولون كبار في إدارته ... وهو أعاد التذكير بهذا الموقف، في أثناء المكالمة الهاتفية التي أجراها مع العاهل السعودي، لطمأنته بخصوص “اتفاق فيينا” ... وأحسب أن البيان الرسمي المشترك عن المكالمة بين الرجلين، قد تضمن اتفاقهما على الحاجة لوقف الحرب في اليمن في أسرع وقت ممكن ... وربما – وهذا من باب التحليل – يكون العاهل السعودي قد طلب، والرئيس الأمريكي قد وافق، على توفير مهلة زمنية إضافية للأعمال العسكرية للانتهاء من معركة عدن، حتى لا تخرج الرياض وحلفاؤها، من مولد “عاصفة الحزم” بلا حمص... ولعل هذا ما يفسر اشتداد حمى المعارك وارتفاع وتيرة القصف والضربات الجوية والبحرية، وعمليات الإنزال البحري وضخ كميات هائلة من الأسلحة المتطورة ومئات العناصر المدربة جيداً، بل وربما هذا ما يفسر دخول قوات خليجية إلى اليمن، بدلالة الإعلانات المتكررة عن قتلى في صفوف الجيش الإماراتي في اليمن.
الآن، وبعد أن استعادت قوات التحالف المدينة، يبدو أنها وحلفاءها سيكونون في وضع سياسي ومعنوي ونفسي أفضل من أي وقت مضى، وهذا يفتح الباب رحباً، أمام فرص استعادة الحوار والوساطات الدولية، ومن موقع “الأنداد” هذه المرة، وسيكون بمقدور الأمم المتحدة، أن تطالب الجميع بقوة، ومن على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، بالتحلق حول مائدة حوار وطني، برعاية أممية، ومن دون شروط مسبقة، من أجل التوصل إلى مخرج سياسي من الاستعصاء اليمني... ولعلنا، لهذا السبب بالذات، نرجح أن تكون معركة عدن الأخيرة آخر المعارك الكبرى في الأزمة اليمنية، قبل أن ينبلج نهار “العملية والتسويات السياسية”.
لكننا ونحن نرجح سيناريو من هذا النوع، لا نستبعد أن تأخذ “نشوة النصر” المكلِفِ في عدن، البعض إلى مطارح أخرى، كأن يعتقد هؤلاء بأن انتزاع عدن من أيدي الحوثيين وحلفائهم، يمكن أن يكون مقدمة لانتزاع صنعاء من سيطرتهم، وربما صعوداً إلى صعدة وعمران ... مثل هذا التصور إن تحكم بصناع القرار في الأزمة، سيكون كارثياً، وسيفتح الباب على فصول جديدة من التراجيديا اليمنية، بل وقد يعرض “الإنجاز” المتحقق في عدن إلى مخاطر وتهديدات لاحقة، إذ من بمقدوره أن يضمن أن الحوثيين وجماعة صالح، لن يعاودوا الكرة مرة ثانية، ولن يسعوا في استرجاع عدن من جديد؟ ... ومن قال، أن قوات التحالف، قادرة على الاستمرار في تحمّل فاتورة الحرب الدامية، سيما إن تواصلت “بيانات النعي” لجنود وضباط من دول الخليج المجاورة، سقطوا في معارك على مبعدة مئات الكيلومترات من حدود بلادهم؟
معركة عدن قد تكون فاتحة مسعى سياسي أكثر جدية لحل الأزمة اليمنية، لكن إن تقاعس الوسطاء وأصحاب المساعي الحميدة عن إطلاق عملية سياسية جادة وجدية، فإن عدن ستكون بوابة من بوابات جهنم، وفاتحة تقسيم اليمن، ومدخل “القاعدة” وأخواتها، لتوسيع رقعة انتشار ونفوذها على تخوم الماء والنفط.