الحرس القديم في البرلمان يحاول إعاقة تشريعات الإصلاح

لا تغيب فكرة “الشد العكسي” عن برلماني مخضرم من وزن المحامي عبد الكريم الدغمي وهو يطالب حكومة الاردن بسحب قانون اللامركزية، متفقا بذلك مع نائب من وزن الحزبي العتيد عبد الهادي المجالي، ما يجعل الدغمي يحصر “دفاعاته” عن رأيه بالحديث عن عجز الميزانية المحلية وضعف القدرة الاقتصادية للبلاد عن توفير مستلزمات “مجالس محلية منتخبة” وبرلمانات مصغرة في المحافظات، ومعززا موقفه بكونه ليس “قوى شد عكسي” بذكر الهيئة المستقلة للانتخاب كمثال على “ما لا داعي له من نفقات”.
النائب الدغمي اتفق مع المجالي في نصحهما للحكومة بسحب المشروع، الذي يشير اليه عدد من المطلعين عليه بصفته شديد التقدم وخطوة نحو دولة قانون ومؤسسات، موضحان انه اليوم لا يعدّ “حاجة حقيقية”، وهو ما برره الدغمي بالكثير ممن الحديث عن الموازنة المثقلة بالديون، بينما عدّه المجالي في الجلسة الصباحية التي عقدت تحت قبة البرلمان الثلاثاء لمناقشة المشروع “يحمل الكثير من العمليات التي نحن بغنى عنها”.
الدغمي شبه القانون تحديدا في موضوع الكلف بالهيئة المستقلة للانتخاب والتي جاءت كعبء اضافي على الموازنة دون قيمة مضافة، مذكرا بأنه حينما رفضها في وقتها اتهم بكونه من قوى الشد العكسي، ليحاول اليوم نفي ذات التهمة عن نفسه.
مجلس النواب في حقيقة الامر عاش جلبة تحت عنوان “قانون اللامركزية”، ليشهد القانون ذاته الكثير من الحديث عن الموافقة والممانعة من جانب البرلمانيين الامر الذي تدرك “رأي اليوم” انه لم يأتِ وليد لحظته، بعدما اطلعت على تفاصيل اجتماع “ظلّ” عقده رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور مع وزير داخليته سلامة حماد، ورئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة مع رئيس اللجنة النيابية المشتركة التي اقرت القانون النائب خميس عطية.
الحديث في الاجتماع السري الذي جرى في مكتب رئيس النواب الطراونة كان عنوانه “سحب مبكر” لقانون اللامركزية الامر الذي تطابقت في سياقه مصادر “رأي اليوم” شديدة الاطلاع وهي تتحدث عن “المحافظين” من جانبي الحكومة والنواب وضغطهم في السياق، ما جعل الاجتماع يظهر ان الرئيسين كانا المدافعين عن وجهة النظر المحافظة.
ما رشح لـ”رأي اليوم” من معلومات يؤكد ان المدافع الاشرس عن كون القانون يحقق للاردن الكثير من التقدم في سياق الحكم المحلي وفي الجانب الخدماتي كان في الاجتماع رئيس اللجنة المشتركة النائب عطية الامر الذي سانده فيه الوزير حماد، ما جعل الرئيسين يعودان خطوة الى الوراء وفق محضر الاجتماع.
اليوم، يعيد النواب الانقسام حول القانون والذي برز من اهم بنوده انه سيحمل لابناء المحافظات فرصة انتخاب من يحمل على عاتقه خدمتهم وتوفير احتياجاتهم، الامر الذي يعدّ بالنسبة للتيار المحافظ في البرلمان والحكومة “اختبار في القدرة” وترتيب اضافي يقلّص الشعيبة من جانب ويزيد في التخصص من جانب ثانٍ.
الانقسام البرلماني احتمل ثلاث فئات: اولى كانت تحمل النواب ذوو الاقدمية والذين نادوا كما الدغمي والمجالي، ومن يناصرهم والذين نصحوا الحكومة بسحب القانون والاستعاضة عنه بنظام لامركزية، الامر الذي يعود بكل الاحوال على الدولة بكل تشوهات الانظمة والمزاجية في تطبيقها والسهولة في التعامل معها وتعطيلها بالوقت ذاته.
الفريق الثاني من دافع بشراسة عن فكرة وجود القانون والذين كان على رأسهم عرّاب القانون النائب خميس عطية باعتباره عاين احتياجات المجتمعات من خلال جولات مختلفة في المحافظات والمناطق واستشعر متطلبات النمو في الحكم المحلي الذي يحمل لكل منطقة خصوصيتها، دون الالتفات الى ما تحدث عنه نواب من اشكالات في صياغة القانون وهلامية بعض مواده؛ وهذا الفريق ما التفّ حوله ايضا اولئك الذين طالبوا بالمناقشة تحت القبة ووضع النقاط على الحروف مجددا في المواد الخلافية من خلال النقاش العام.
الفريق الثالث هو فريق ارتأى الوسطية وحاول الذهاب الى اعادة المسودة الى اللجنة المشتركة ذاتها للقيام بالعديد من التعديلات قبل عرض المسودة مجددا على مجلس النواب، الامر الذي قد يسهل على الجميع الحديث والنقاش.
االانقسام الحالي وان كانت النقاط التقنية فيه (الحديث عن اشكالات الموازنة وهلامية المواد القانونية وتقسيمات المناطق) محترمة بصورة كبيرة، الا انها لا تكفي بحال من الاحوال لردّ القانون او سحبه والاستعاضة عنه بانظمة قد يشوبها ما شاب الكثير من الانظمة غير المطبقة بصورة صحيحة في المملكة الاردنية.
الهجوم النيابي اليوم يتحدث عنه احد المراقبين بكونه “ردة فعل” منطقية على قانون قد يطيح بشعبية كثيرين من نواب الخدمات، خصوصا ان لم يتم اغفال الحديث الذي سبق واستمعت اليه “رأي اليوم” من عدة مصادر ليس اخرها العين ورئيس الوزراء الاسبق سمير الرفاعي عن كون وجود مجالس خدمية منتخبة في المناطق ستعيد انعاش فكرة الحكم المحلي والعمل لمصلحة المنطقة وتنميتها ما سيسهم في خلق مناخ ايجابي من التنافس بين المناطق في التنمية.
حديث الرئيس الاقتصادي بامتياز سمير الرفاعي يعني من وجهة نظر اخرى ان المجالس المذكورة ستقوض شعبيات العديد من النواب المعتاشون في شعبيتهم اصلا على توفير الخدمات لمناطقهم، ما سيؤدي بطبيعة الحال الى تقليص عدد البرلمانيين في غرفة التشريع الاولى ما يعني تهديدا “مضاعفا” للعديد من الموجودين حاليا تحت القبة.
ما يحصل للكثير من النواب وما يعيشون رهابه اليوم يهدد من جانب ثانٍ عددا من وزراء الخدمات ايضا وبصورة واضحة، ما يجعل العديد من الاخبار ترشح عن مقاومة من جانبهم لفكرة المشروع، رغم كون وزير الداخلية “القوي” اليوم سلامة حماد صرّح في عدد من الجلسات الخاصة والضيقة عن كونه شخصيا يعتبر المشروع “خطوة للامام” ونقلة نوعية لهيكل الحكم والمؤسسية في البلاد.
وكان حماد ذاته احد عرابي نظام للامركزية تم تطبيقه في تسعينيات القرن الماضي، ما يبرر حماسه اليوم للمشهد، في الوقت الذي يتنظر فيه المراقبون ليرى القانون النور بهيئته الاخيرة، غير مخفين تخوفاتهم من اعمال “المحافظين” لمقصّاتهم في جسم الثوب وافراغه من مضمونه، الامر الذي سينعكس على الحزمة الاصلاحية السياسية الكاملة (قوانين اللامركزية والاحزاب والانتخاب).
رفع سوية القانون المتعلق باللامركزية اليوم يعني حصرا وفق الرئيس الاسبق سمير الرفاعي الارتقاء بالحزمة السابقة جميعا وتعزيز مبادئ الكفاءة والمساواة والمواطنة بطبيعة الحال الى جانب التنمية السياسية في الاردن، وهو بالضبط ما لا يستطيع المراقب اليوم تقدير “مدى حدوثه” في ضوء كل الجذب الحاصل تحت قبة مجلس الامة