الأردن بوصفه جزيرة
بالرغم من الحرائق المشتعلة التي تحيط بالمملكة، وبالرغم -كذلك- من حالة الفوضى والتفكك التي تصيب العالم العربي اليوم، فإنّ الأردن يبدو في أفضل حالاته إقليمياً ودولياً؛ بل ليست مبالغة إن قلنا إنّه لم يشهد أي لحظة تاريخية منذ تأسيسه كانت أفضل من اللحظة الراهنة في أوضاعه، دولياً وإقليمياً.
المفارقة أنّ الأردن عانى، خلال العقود الماضية، أكثر من غيره من الدول من الشكوك والتشكيك في مدى قدرته على حماية الاستقرار السياسي. بل وفي محطات مفصلية خطيرة، واجه الأردن سؤال الوجود والاستمرار، وكان هناك رأي متداول في الغرب يبرز في تلك المحطات بأنّ هذه الدولة الصغيرة، محدودة الموارد، في ظل الظروف الإقليمية العاصفة في المنطقة، لا يمكن أن تستمر وأن تصمد.
أمّا اليوم، فتبدو هذه الدولة الصغيرة، كما وصفها دبلوماسيون غربيون، بالرغم مما تعانيه من معضلات وأزمات اقتصادية دائمة، هي الأكثر استقراراً وثباتاً، ونظامها السياسي من أقدم الأنظمة في المنطقة، على النقيض من هواجس هيلاري كلينتون!
الأردن، كما يقول أحد السياسيين الغربيين، أصبح بمثابة جزيرة وسط بحر الدماء والفوضى والأزمات المحيطة. وهو وإن كان لا يمتلك الموارد المالية التي تمكّنه من حل مشكلاته الاقتصادية جذرياً، إلاّ أنّه أصبح يتوافر على خبرة سياسية كبيرة في إدارة المخاطر والأزمات، والتعامل مع الظروف المحيطة داخلياً وخارجياً!
يعلق أحد السياسيين الغربيين بالقول: إنّه بالرغم من الملاحظات الدائمة على حالة الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان في الأردن، إلاّ أنّنا لا نملك اليوم إلاّ أن ندعم هذا "النموذج" الوحيد الفريد في المنطقة العربية، فهو دولة فيها قدر من الديمقراطية والحكم المعتدل، مقارنة بالأنظمة السياسية العربية الأخرى في المنطقة، ومقارنة كذلك بالنموذج التركي، الذي لا يحبذه الغرب كثيراً، وبالنموذج الإسرائيلي، وهو نموذج استثنائي مرتبط بظروف خاصة، فيما يبدو الأردن الدولة الوحيدة الطبيعية التي تمتلك شروطاً سياسية جيدة مقارنة بالآخرين.
وإذا كان حلفاء وأصدقاء الأردن في الغرب يميلون دائماً إلى ممارسة ضغوط سياسية متفاوتة عليه، خلال الأعوام الماضية، من أجل مزيد من الإصلاحات السياسية؛ فإنّهم اليوم لا يبدون معنيين كثيراً بهذا الموضوع، ويجدون أنّ هذا الأمر بمثابة مسألة ثانوية في ظل الظروف الحالية القاسية في المنطقة، وفي ظل صعود تنظيم "داعش" في كل من العراق وسورية، وتأثيره الكبير على الاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي. وهو ما يعطي النظام السياسي الأردني نقاطاً إضافية في حسبة هذه الدول، بما يمتلكه من خبرة أمنية وقاعدة بيانات في التعامل مع هذه التيارات الإسلامية الراديكالية، وفقاً لهذه المصادر.
ومما زاد من مستوى تقييم الأردن، في الآونة الأخيرة، في حسابات الأوروبيين والأميركيين، هو التدفق الكبير لآلاف المهاجرين إلى أوروبا، الأمر الذي أدى إلى خلافات داخلية كبيرة وارتباك في كيفية التعامل معهم، بينما استقبل الأردن وحده مئات الآلاف، أغلبهم خارج مخيمات اللاجئين، من دون أن ينال مساعدات اقتصادية كافية للتعامل مع هذه الأزمة، بالرغم من المعضلات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها!
هذه باختصار ملاحظات أساسية تكشف عن ارتفاع قيمة الأردن وأهميته ومكانته في المنظور الغربي، وفقاً لسياسيين ودبلوماسيين غربيين.
وهي حالة مثالية مقارنة بأي لحظة تاريخية سابقة، على صعيد علاقاته الخارجية سواء مع المحيط الإقليمي أو مع الدول الغربية، وهي بلا شكّ حالة لم يكن الأردن ليصل إليها فجأة أو خلال أعوام محدودة، بل هي نتاج صراع كبير وجهد هائل بذل خلال عقود طويلة، حتى وصلنا إلى هذه النقطة.