الإستراتيجية الأميركية وأهمية تقدير الحالة الأردنية
تستند الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط إلى عدة عوامل رئيسة، تبدأ بالحفاظ على أمن وبقاء دولة إسرائيل وتفوقها العسكري والاقتصادي والتكنولوجي على بقية دول المنطقة، ثم الحفاظ على تدفق النفط من المنطقة دون أية عوائق، والحفاظ على المصالح التجارية والاقتصادية للشركات الأمريكية في المنطقة، يضاف إلى كل ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، ناهيك عن نشر الثقافة الأمريكية القائمة على نشر المبادئ والقيم الديمقراطية لكن المنطقة تعمها الفوضى، والاضطراب، وحالة هائلة من عدم الاستقرار السياسي وكثرة النزاعات والصراعات، وفي أحدث مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الأمريكية جون كيري أعلن عن أن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة تعتمد على الحفاظ على الاستقرار السياسي وخصوصاً في كل من الأردن ولبنان الأكثر تضرراً بالأزمة السورية، القضاء الكلي على (داعش) دولة الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق وإعادة إطلاق العملية السياسية في سوريا وتمثيل القوى المعتدلة على طاولة التفاوض لإيجاد حل سياسي يقود إلى انتقال سلمي للسلطة السياسية في سوريا وفي نفس الوقت الاستمرار مع دول التحالف للقضاء على حركة داعش الإرهابية واستئصال جذورها.
وعليه فإن هزيمة داعش وحالة التطرف الأصولي في سوريا تشترك بها قوى عدة الاتحاد الأوربي، والاتحاد الروسي والإدارة الأمريكية والدول العربية المعتدلة المشاركة في قوى التحالف العسكري ضد الإرهاب. هناك تقاطع في المصالح لتحقيق الهدف الاستراتيجي، لكن هناك اختلاف في الآليات لحل الأزمة السورية بين القطبين، الاتحاد الروسي يصر على بقاء الأسد كجزء من الحل الانتقالي مع دستور جديد يقوم على انتخابات برلمانية، وتشكيل حكومة انتقالية، لكن الأطراف الأخرى ترفض أن يكون الأسد جزء من الحل إنما رحيل الأسد كشرط أساسي للتقدم في المسار السلمي السياسي لحل الأزمة السورية، وعلى كل حال هناك قواسم مشتركة تدفع أحياناً إلى الأمل في بروز حل سياسي في غضون الأشهر القادمة، لأن الأزمة السورية أصبحت مأساة على مستوى دولي وإنساني وتحتاج إلى حلول سريعة لأبعاد تتعلق باستقرار المنطقة، وتدفق اللاجئين نحو أوروبا والضربات الإرهابية في أكثر من مكان آخرها باريس، فالحالة الأمنية والتشدد الأمني والاستنفار في كل أوروبا خوفاً من الإرهاب قائم ومؤرق ومكلف ولا بد من إيجاد تسوية وتنازلات من كل الأطراف.
وفي ضوء تصريحات جون كيري في الحفاظ على أمن واستقرار كل من الأردن ولبنان فهو أمر إيجابي يحتاج لخطوات عملية خصوصاً في موضوع معالجة اللجوء السوري والتكلفة الثقيلة التي تتحملها البلدين، وحقيقة الأمر أن الأزمة السورية أثرت تأثيراً كبيراً على الاقتصاد الوطني الأردني، إذ لم تؤثر أزمة في المنطقة على الأردن اقتصادياً وديمغرافياً أكثرهذه الأزمة، والأردن يقدم ما يزيد عن 72% من تكلفة اللجوء السوري والمساعدات القادمة من الخارج لا تغطي 38% من الكلفة المالية، فالأردن على وضعها الاقتصادي لا تتحمل هذا العبء الذي شل الاقتصاد الوطني، وتزايد عبء المديونية لتصل إلى 24 مليار دينار أردني، وهذا الوضع لا يمكن الاستمرار به أو السكوت عنه. إن اللجوء السوري أثر على الوضع الديمغرافي 20% من السكان (هجرات قصرية) الضغط المستمر على القطاعات مثل التعليم، الصحة، البنية التحتية، العمالة والبيئة والأبعاد الاجتماعية والمختلفة وتعاظم مشكلة المخدرات، والكلفة الأمنية للحفاظ على أمن واستقرار الدولة في محيط ملتهب تعج به الأزمات من كل جانب، وما دامت الإدارة الأمريكية تطلق التصريحات بأهمية أمن واستقرار الأردن عليها أن تلتزم بالمساعدات المالية والاقتصادية وحث الأطراف العالمية والإقليمية في دعم الدولة الأردنية اقتصادياً ومالياً وعسكرياً للحفاظ على هذه الحالة المطلوبة لكي يبقى هذا الملاذ الآمن صامداً.
إن الأقوال يجب أن يصاحبها أفعال عملية واقعية تتماشى مع الحالة المراد الحفاظ عليها ودعمها وبصورة جماعية دولية وليس بصورة فردية متقطعة، وأكد هنا أن قدرة الدولة الأردنية لا تستطيع أن تتحمل ما هو فوق طاقتهما، وكما ذكرت سابقاً أن الأزمة السورية أثرت وبل دمرت الاقتصاد الوطني بشكل ظاهر للعيان وانعكاس الأمر على حياة المواطنين الأردنيين، من الغلاء، والتضخم، وتدني المستوى المعيشي وارتفاع معدلات البطالة والفقر، ومن هنا فإننا ندعو الأشقاء قبل الأصدقاء لدعم الاقتصاد الوطني الأردني عملياً وبمشاريع واقعية تنعكس على حياة الناس ويلتمسوها. أما موضوع القضية الفلسطينية والتي هي محور الاستقرار في المنطقة لها مقالة أخرى.