"التوطين" الاقتصادي للاجئين
يبدو أن الاقتصاد الأردني سينتقل من مرحلة التكيف مع صعوبات الأوضاع التي تفرضها الحروب من حولنا، وفي مقدمتها أعباء اللجوء السوري، إلى مرحلة جديدة هي تمكين الدولة من إدامة حالة اقتصادية قابلة لاستيعاب كل التحديات العابرة للحدود، مع لاجئين بحجم 1.3 مليون سوري، إضافة للاجئين من جنسيات عربية أخرى. فقدرات المملكة باتت على المحك بعد أن تجاوزنا سنوات قاسية من إيواء اللاجئين، والبحث عن دعم دولي لا يأتي في معظم الأحيان.
لكن الوضع الاقتصادي معقد بالاستناد إلى هذه التحديات، وبسبب فشل السياسات الحكومية في إيجاد حلول مقنعة لمنع تعمق التشوهات الاقتصادية. وعليه، فإن النمو الاقتصادي "الحقيقي" العام الماضي تجاوز بنسبة هامشية النمو السكاني. وإذا ما احتسبنا النمو السكاني أيضا للجوء السوري، فإن الأمر يتطلب نموا بنسبة 7.3 % كي تتم المحافظة على مستوى معيشة الأردنيين، كما يرى وزير المالية الأسبق د. محمد أبو حمور، بينما بلغ النمو الاقتصادي الحقيقي 2.5 % في 2015. وكشف أبو حمور في محاضرة له قبل أيام، تضاعف رصيد المديونية في الأعوام الخمسة الأولى من هذا العقد؛ إذ كانت 11.5 مليار دينار في 2010، وانتقلت إلى 22.6 مليار دينار أواخر العام الماضي.
مع هكذا ظروف اقتصادية، يبدو عبء اللجوء أكثر ثقلا، في ظل حاجة ملحة لتمويلات حقيقية لا وعود معسولة؛ لا لإيواء السوريين (لاجئين ومقيمين) في المملكة وحسب، بل لتشغيلهم. وهو المفهوم الجديد الذي وجدت الدولة أن لا مناص منه بسبب فوضى السنوات الأخيرة. فالمطلوب اليوم من الجهات والمانحين الدوليين ليس خياما أو أغطية أو غذاء معلبا، بل إنشاء مصانع وتأسيس بنية تحتية تستطيع استيعاب السوريين الذي لا يبدو من وجهة نظر الحكومة ومراكز القرار الأخرى أنهم سيعودون قريبا إلى بلادهم.
مؤتمر لندن بعد يومين ربما يتيح فرصة للأردن كي يلتقط أنفاسه، تمهيدا لفترة جديدة عنوانها الدعم والاستقرار الاقتصادي الداخلي، في ظل حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في دول الجوار، لاسيما الجارتان الشرقية والشمالية. ومع عجز متراكم يطال أكثر من نصف احتياجات اللاجئين من الجوار السوري على مدار السنوات الثلاث الماضية، فإن مؤتمر لندن لدعم السوريين والدول التي تستضيف اللاجئين منهم في المنطقة، يجب أن يتجاوز مربع الوعود المعسولة ليصل إلى الالتزام بمواعيد محددة لتحقيق التمكين الاقتصادي المرتجى بالنسبة للحكومة التي تدير ملفا ثقيلا ولا تعلم كيف تتصرف حياله في ظل العجز الكبير في تمويل احتياجات اللاجئين.
يجب أن لا نفرط في التفاؤل حيال الوعود الدولية، فقد جربناها وخبرنا مصداقيتها. وفي تقريرها الأحدث، طالبت منظمة "أوكسفام" البريطانية الدول الغنية التي ستجتمع في العاصمة البريطانية أواخر هذا الأسبوع بإحداث تغيير حقيقي يؤدي إلى تحسين حياة الملايين من السوريين. وفي هذا التقرير تظهر إرادة الدول التي تكرس الحرب ولا تلتفت إلى تبعاتها. فروسيا، على سبيل المثال، لم تقدم سوى نسبة 1 % من حصتها من المساهمات العادلة في النداءات المتصلة بالأزمة السورية، في مقابل تكثيف غاراتها على السوريين، وبمعدل 1391 طلعة جوية منذ بدء التدخل الروسي في سورية.
يسعى الأردن للحصول على مليارات الدولارات من أجل ولوج المرحلة الجديدة من التوطين الاقتصادي للاجئين داخل حدوده. وكل هذه الآمال تأتي عقب تقصير أوروبي وأممي في التعاطي مع أزمة اللجوء السوري، في موازاة تدهور أسعار النفط عالميا.