ليس تسولا ولا استجداء
ربما تكون اللغة التي خاطب بها جلالة الملك المجتمع الدولي حيال الأوضاع في الأردن، كما ظهرت في المقابلة مع محطة "بي. بي. سي" أول من أمس، ومقال جلالته المنشور في صحيفة "إندبندنت" البريطانية أمس، هي اللغة الأكثر حزماً منذ اندلاع الأزمة في سورية، والتي أدت إلى أزمة لجوء إلى الأردن. إذ بعث الملك، في المناسبتين، رسالة واضحة، تعد بمثابة تحذير للدول المانحة؛ بضرورة المساعدة في مواجهة أعباء اللجوء الضخمة، والتي لم يعد بإمكان المملكة، شعباً وحكومة، احتمالها.
واقعياً، بات الوجود السوري يحمل العديد من التبعات القاسية، من ناحيتين على وجه الخصوص. تتمثل الأولى في إنفاق ربع الموازنة العامة على اللاجئين واحتياجاتهم الخدمية؛ من طبابة وتعليم وبنية تحتية. ويضاف إلى ذلك، من ناحية أخرى، الكلف الأمنية العسكرية.
والضغط على الخدمات بات يشكل عامل ضغط بدوره على الأردنيين الذين استقبلوا إخوتهم بكل حبّ، حد تقاسم كل شيء معهم. لكن الضغوطات المتزايدة تولد المخاوف من أن ينقلب الشعور لدى الطرفين.
فالأردني سيتولد لديه شعور بأن السوري يشاركه كل شيء، مسبباً المزيد من الضيق الموجود أصلاً بسبب الفقر والبطالة، وعجز المواطن عن تحقيق العيش الكريم في بلده. وحتى إن بدا في الأمر مبالغة؛ بتحميل السوريين كل المشاكل المزمنة التي يعاني منها الأردني، فإن الحالة السيكولوجية والشعور الذي بدأ يتشكل، يمثلان خطرا على الطرفين.
الحالة المجتمعية عبّر عنها الملك بوضوح، حين قال إن الوضع وصل حالة حرجة، وإن الشعب يعاني كثيراً؛ محذرا جلالته من إمكانية نفاد صبر الأردنيين بسبب سوء الأحوال.
القصور الدولي الواضح تجاه أزمة اللجوء السوري إلى الأردن خصوصاً، اضطر الملك إلى الإشارة في حديثه لـ"بي. بي. سي" إلى أن الأردن قد يعيد النظر باستقبال اللاجئين إن لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته بهذا الخصوص.
اللغة الدبلوماسية وإن بدت -بشكل عام- تقدر موقف الأردن، إلا أن ثمة أصواتا نشازا من بعض دبلوماسيين أوروبيين؛ تخرج لتلوم المملكة على عدم إدخال آلاف آخرين من السوريين موجودين على الحدود، بما يرتقي إلى حد تنكّر هؤلاء لحقيقة أن هذا البلد استقبل مئات الآلاف، وفعل ما عجزت عنه دول غنية! بل وترتكب هذه الأخيرة أخطاء بحق اللاجئين، ويسعى بعضها إلى ترحيلهم.
بدلاً من المزايدات الرخيصة المفضوحة، فإن على المنتقدين أن يمكّنوا الأردن من الاستمرار في عون إخوتنا اللاجئين الذين يصعب علينا كأردنيين الإساءة لهم. ومثل هذا المطلب ليس تسولا ولا استجداء، بل واجب على كل المعنيين؛ دولياً وإقليمياً. ذلك أن ما يفعله الأردن، عدا عن أساسه الأخلاقي والإنساني، إنما يحميهم ويحمي مصالحهم، ويخفف عنهم عبء مجرد تفكير آلاف اللاجئين بركوب البحار وصولا إليهم. هذا عدا أيضاً عن أن من حق اللاجئين الذين شرّدتهم الحرب، فتركوا بيوتهم، أن يتوفر لهم أساس الحياة، إن لم يكن العيش الكريم. فهم كما يصفون لـ"الغد" أحوالهم في مخيم الأزرق، توقعوا أن اللجوء وهجر الدار صعب، لكنهم لم يتخيلوا أن يعودوا إلى عصور غابرة؛ من دون كهرباء ولا حتى ماء.
الموقف الدولي تجاه الأردن بات قضية أخلاقية إن لم تكن حقاً ثابتاً، وليست مِنّة من أحد. ذلك أن الحمل الكبير الذي ترزح تحته المملكة يهدد الواقع الاجتماعي والأمني. وليس جديدا أن الأردن بموقعه الجيوسياسي الحساس يؤثر على الجميع من دون استثناء. وإذا كنا قد عبرنا السنوات الماضية بسلام، فإن ذلك لا يعني أن السنوات المقبلة، تبعا لحجم الأعباء المتراكمة، يمكن أن تكون كذلك.
بالنهاية، لدى الأردن أولوياته التي عبر عنها جلالة الملك، وهي بلا جدال الشعب الأردني وحاجاته وتحسين حياته. وقد أطلق الملك نداءه وقدّم مرافعته عن بلده باقتدار. ويبقى أن يستمع المجتمع الدولي، ويدرك العبارات التي لم يقلها جلالته صراحة؛ بشأن ما سيكون عليه موقف الأردن مستقبلا من اللجوء.