فوضى المدارس الخاصة
الجبهة مستعرة؛ وضحاياها أطفال لنا على مقاعد الدراسة. فالتهديدات متبادلة؛ بين الحكومة التي تعتزم عدم تجديد تراخيص مدارس خاصة مخالفة، وفي ذلك منطق وتطبيق للقانون؛ وبين هذه المدارس التي تحذّر من تسريح آلاف المعلمين نتيجة القرار الحكومي.
في خضمّ المعركة، تُصدر نقابة أصحاب المدارس الخاصة بيانا صحفيا تؤكد فيه نيتها رفع الرسوم المدرسية بنسبة 30 %. لتعود بعد ذلك إلى سحب البيان والتراجع عنه، والمطالبة بوقف نشره، لكأنها تحاول ليَّ ذراع الحكومة!
وزارة التربية والتعليم تلوّح بمقاضاة النقابة. فيما الأخيرة تؤكد أن على الوزارة التراجع عن نظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية لسنة 2015، أو قصر تطبيقه على المؤسسات التعليمية المنوي تأسيسها عقب صدوره فقط.
"التربية"، من جانبها، تؤكد أنها ""أمهلت المؤسسات التعليمية الخاصة المخالفة سنتين حسب النظام الجديد لتصويب أوضاعها، وخاصة المتعلقة بالأبنية والساحات باستثناء الأعداد الزائدة عن الطاقة الاستيعابية حسب الرخصة الممنوحة لها"، إذ يصنف النظام الجديد المدارس الخاصة إلى فئات، وفقاً لموقع المدرسة، والمرافق المتوافرة فيها، ونوعية البرامج الأساسية والإضافية التي تقدمها للطلبة، ومؤهلات الكوادر العاملة فيها.
"النظام" وضع معايير تحدد حجم الأقساط للفصل الدراسي، بحيث تتناسب مع ما تقدمه المدرسة من خدمات للطلبة. كما يتضمن بنودا تحفظ حقوق العاملين في هذه المدارس، بعد أن انتهك أصحاب مدارس هذه الحقوق لسنوات طويلة في ظل غياب الرقابة الحكومية عليها، لاسيما ما يرتبط بالحد الأدنى لرواتب المعلمين.
هدف الحكومة نبيل، وهو حماية أولياء أمور الطلبة من تغوّل المدارس عليهم، لاسيما أننا بتنا نسمع عن مدارس خاصة لا يزيد دورها في الواقع عن كونها جهة تؤمن المواصلات للطالب، حتى وإن كانت غير آمنة؛ فيما لا توفر ضمن منشآتها الحد الأدنى من البيئة المدرسية الضرورية والمواتية للتعلم والتعليم!
تراجع مستوى الخدمات في بعض المدارس الخاصة، وإصدار الحكومة "النظام" الجديد، جاءا متزامنين مع ازدياد شكاوى أولياء أمور من ارتفاع الرسوم المدرسية سنويا من دون مبرر، لاسيما عقب تراجع أسعار النفط بنسبة تصل إلى 70 % خلال الفترة الماضية. ما يوجب وجود معايير تضبط هذا الأمر، كما مستوى الخدمات المقدمة للطلبة في الوقت ذاته.
مخرجات تعليم بعض هذه المدارس كارثية، وعدد لا بأس به منها، خصوصا في الأطراف والمحافظات، لا يقدم أي قيمة مضافة في أحسن الأحوال. ما يستدعي إصلاح التشوهات ومعالجتها، لنرتقي بمستوى الطالب والمعلم معاً.
أستغرب من نقابة أصحاب المدارس الخاصة مثل هذه الهجمة على النظام ورفضه، لأن المنطق يفرض أن تكون في خندق الوزارة عندما يتعلق الأمر بهذا الجانب. إذ من مصلحتها كنقابة تحسين صورة أعضائها في أذهان الناس، وليس الوقوف مع بعض منهم لتحقيق مطالب تحمل ظلما للطلبة وذويهم.
لا أظن أن لدى وزارة التربية موقفا سلبيا مبيتا من التعليم الخاص عموماً. بل هي تسعى إلى معالجة التشوهات التي يعاني منها، وتصويب بعض المسلكيات التي لا تعكس شعورا بالمسؤولية لدى من يأتون بها. فالتعليم الخاص جزء أصيل من هيكل التعليم المدرسي في الأردن، ومن مصلحة "التربية"، الارتقاء به وليس إضعافه، ناهيك عن القضاء عليه.
بصراحة، إغلاق عشرات المدارس غير الملتزمة بالمعايير لا يضر إلا أصحابها، وإن كان ثمة ضرر آني يلحق بأولياء الأمور مع اضطرارهم للبحث عن مدرسة جديدة. لكن الحاجة للمدرسة الخاصة يتلاشى إن لم تلعب دورا في تحسين مخرجات التعليم، وأحد شروط ذلك طبعاً صون حقوق المعلمين.
فوضى التعليم المدرسي الخاص باتت واقعا صعبا في غفلة من الحكومات التي أهملت تنظيم هذا القطاع المهم الذي يخدم مئات آلاف الطلبة؛ إنما من دون منّة، فأصحاب المدارس يتلقون أموالا طائلة مقابل هذه الخدمة.
تراجع الحكومة عن النظام الجديد سيكون خطوة للخلف. والخضوع لما يصرّ عليه أصحاب مدارس مخالفة، هو آخر ما نحتاجه اليوم، إن كانت الإرادة متوفرة فعلا لإصلاح تشوهات التعليم.