إعتصام طلاب الأردنية
إذا كان قرار التجديد لرئيس الجامعة الأردنية معتمداً على خلاصة التقارير السرية ، ونتائج قرار المؤسسات المعنية الهادفة نحو التوصل إلى شهادة حسن سلوك مهني وإداري وأكاديمي أمام مجلس التعليم العالي ، سيكون الرئيس المقبل هو نفسه إخليف الطراونة ، فالتقارير التفصيلية من قبل مختلف المؤسسات ذات الصلة لا تحمل ما يحول دون التجديد له وتدفع مجلس التعليم العالي كي يكون قراره مرجحاً لصالح الرئيس نفسه ، ولهذا يكون خليف الطراونة قد كسب الرهان الأكاديمي بخياراته ونظافة اليد بسلوكه ، وحسن الأداء بمهنيته .
وزير التعليم العالي ، الأكاديمي والمهني ورئيس سابق لجامعة ، لا يريد أن يُسجل على نفسه إستغلال صلاحياته لا سلباً ولا إيجاباً في تجديد عقد رئيس الجامعة الأردنية ، ويتوسل أن يبقى قرار مجلس التعليم العالي خالصاً في إعتماده على قرار المؤسسات ذات الصلة كي يكون القرار مهنياً أكاديمياً ليست له أية دوافع سياسية أو فوقية أو بتأثير حالة نفوذ أو تدخلات حكومية غير مبررة ، فالمؤسسات الأكاديمية الأردنية وفي طليعتها الجامعة الأم تستحق من وجهة نظر لبيب الخضرا أن تتعامل بما يليق بها ، نظراً لتراكم خبراتها المهنية ولديها ما تستوفيه من الأعتبار والتقدير ، بعيداً عن التدخل الحكومي .
ولكن ثمة من يعترض ويجتهد ، وله مصلحة في وضع العراقيل والأشواك ، فالبشر أصحاب مصالح وأجندات وتوجهات متباينة ، والمجتمع الأردني لن يكون معزولاً عن قيم التعددية ولا يستطيع التهرب منها والفكاك من إستحقاقاتها ، والأعتصام أمام إدارة الجامعة منذ 28/2/2016 شكل من أشكال هذه التعددية الراقية التي يجب أن نتباهى بها ، لأنها حصيلة معطيات سياسية وإقتصادية وإجتماعية ، تستحق التوقف وأن لا تبقى محصورة بأسوار الجامعة الأردنية ، بل لندرك بوعي أبعادها خارج الأسوار ، ونفتح عقولنا على ما نعانيه كشعب ومواطنين من قسوة الحياة ومتطلباتها ، فالذين يتوهمون من قوى الشد العكسي أننا خرجنا من أزمة الربيع العربي واهمون ، وأنهم نجحوا في لجم التغيير والأصلاح ، فذلك لضيق أفقهم ، فالذي لجم تطلعات الأردنيين الحارة نحو الأصلاح هو حصيلة التجارب المدمرة لثورة الربيع العربي في ليبيا وسوريا واليمن ومن قبلهم في العراق ، ولكن متطلبات التغيير والأصلاح ما زالت كامنة في مسامات الأردنيين وتطلعاتهم وطلبة الجامعة الأردنية هم الطليعة ويجب أن يكونوا الطليعة في ذلك ، فالأعتصام في رحاب الجامعة إذا كانت دوافعه مقتصرة على شريحة لا تتجاوز العشرة بالمئة من مجموع الطلبة ، وأنهم سجلوا على مقاعد الدراسة ، ودخلوا الجامعة بقبولهم المسبق بقرار رفع الرسوم نظراً للفجوة القائمة بين كلفة التعليم العالية وأقساط رسوم الجامعة المتدنية ، فهؤلاء هم إمتداد لشرائح المجتمع الأردني التي تواجه ثقل الحياة ومتطلباتها الصعبة .
دوافع إعتصام طلبة الجامعة الأردنية مبررة ذاتياً وموضوعياً ، سواء كانت دوافعهم ذاتية ضيقة أو إستجابة لدوافع حزبية سياسية ، أو بسبب التوقيت أن إنتخابات مجالس الطلبة وإتحادها على الأبواب ، ولهذا يجب أن يتفهم أصحاب القرار أن الدوافع مالية إقتصادية ، ولكنها أيضاً تحمل دوافع سياسية إقتصادية إجتماعية وديمقراطية نضج المجتمع الأردني وفي طليعتها شبابه كي يتصرف على أساسها ، ويُبشر بها حتى ولو يكن الطلبة بغالبيتهم مسيسيين وحزبيين ومشتتي الأنتماء ولكنهم لا يملكون إلا الأنحياز لمصالحهم وفطريتهم في البحث عن مصالحهم كطلبة ومواطنين وبشر .
قرار مجلس التعليم العالي إذا إقتصر على حصيلة قرار المؤسسات ، فسيكون إيجابياً لصالح رئيس الجامعة ، سيكون ملزماً أكثر لأن رئيس الجامعة نجح بتفوق في التعامل مع طلابه ومع الأعتصام ومع المعارضة ، فقد رفض تدخل أي مؤسسة من خارج الجامعة لردع الأعتصام أو المس بالمعتصمين ، وهذا يُسجل له في سجل ذاتيته وخبرته وتاريخه مستقبلاً ، وأبقى الحوار مفتوحاً ومتصلاً مع الطلاب الذين إرتقوا لمستوى المسؤولية الوطنية وبقي إعتصامهم سلمياً مدنياً حضارياً يرفع الرأس ونرفع قبعاتنا لهؤلاء الطلبة الذين أغلبيتهم من سكان أحياء عمان المكتظة ومخيماتها ومن أبناء الريف والبادية الفقراء ، أي يمثلون بحق مكونات الأردنيين البسيطة والفقيرة ويحملون هموم عائلاتهم ، مثلما يحملون تطلعاتنا .
نجح رئيس الجامعة الأردنية ، ولا يزال ، في التعامل مع الظاهرة الطلابية ، ومع إعتصام الطلبة ، بوعي ومسؤولية وهذه إضافة جديدة له لسببين : أولاً لأن رئيس الجامعة نزل من علياء مكتبه وتعامل بكبرياء وندية مع ممثلي الطلبة على قاعدة الحوار والشراكة ، وثانياً لأدراكه أن الربيع العربي له خصوصية أردنية حمت شعبنا وبلادنا من الأرهاب والعسف والدمار والخراب ، ولكنها وفرت لشعبنا الأنحياز لقيم التعددية والحق في التعبير وبالأحتجاج المدني والسلمي وأن يبقى كذلك ، رغم تحريض قوى الشد العكسي النافذة في مؤسسات صُنع القرار .
إستمرارية الحوار ، والحس بالمسؤولية الجماعية من قبل إدارة الجامعة وطلبتها ، وتصرفهما على أساس الشراكة هو الدرس الذي يجب أن يبقى وينتصر سواء تم رفع الرسوم أو التراجع عنها أو التوصل إلى حل منتصف الطريق ، فهو بداية ربيعية مشرقة لأردن الأمن والأستقرار وتوسيع قاعدة الشراكة ، وإرساء قيم التعددية والأجتهاد ، وقبول الأخر وإحترامه ، وأن هؤلاء الشباب بما يملكون من فرص الأختيار في ظل صعوبة الأوضاع السياسية والأقتصادية والأجتماعية ، يضعون أنفسهم والأردن بمجمله على طريق الربيع المنشود ، ربيع الديمقراطية والأصلاح والتغيير الذي نتمناه لأنفسنا ولشعبنا ولأولادنا من بعدنا .
h.faraneh@yahoo.com