بين اليقين والشك!
ثمّة تطورات درامية عديدة فاجأت المواطنين خلال الأيام الماضية، وخلقت حالة من البلبلة. وربما تكون حسَنَتها الوحيدة أنّها حرّكت المياه السياسية الراكدة، فانتعش المناخ العام بالشائعات والروايات والتحليلات.
بداية الأحداث جاءت عبر إغلاق مقرّات جماعة الإخوان المسلمين. وهو أمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ الأردن، الذي طالما تمتعت الجماعة فيه بحماية الدولة، خلال العقود الماضية. ثم جاء موضوع التعديلات الدستورية، والارتباك الذي حدث في أروقة الحكومة في التعامل معه، ثم الضجيج البرلماني. لنصل إلى حلقة جديدة في التطورات، عبر تعديل وزاري معاكس لما كانت بعض النخب والمواقع الإلكترونية تتداوله عن تغيير وزاري كامل.
هل ثمّة رسائل متناقضة أم متّسقة تقف وراء هذه التطورات المتتالية؟! سؤال مهم يشغل الأوساط السياسية اليوم. لكن ما هو مؤكّد أنّ هذه التطورات جميعاً تأتي في سياق واحد محدد واضح، هو ترتيب المسرح السياسي للانتخابات المقبلة، وما قد ينجم عنها من مخرجات؛ سواء ما حدث مع الإخوان المسلمين أو التعديلات الدستورية أو حتى التعديل الحكومي.
بإغلاق مقرات الجماعة، فإن مطبخ القرار قام عملياً بركل الكرة إلى ملعب الإخوان المسلمين، ليضعهم أمام خيار المشاركة في الانتخابات ضمن قواعد اللعبة التي تحدّدها الدولة، وتحت عباءة حزب جبهة العمل الإسلامي، بعد حسم مسألة الوجود القانوني والممتلكات لصالح جمعية الإخوان الجديدة. لكن يقابل ذلك الإجراء قلق إخواني مشروع من عدم وجود ضمانات من تكرار تجربة العام 2007، فيخسر الإخوان كل شيء، ويصبحون مثل "معيّد القريتين"!
أما الهدف المعلن للتعديلات الدستورية، فهو تحضير المناخ السياسي والأرضية الدستورية المناسبة لاحتمالية الحكومة البرلمانية، عقب الانتخابات المقبلة. وتستبطن التعديلات محاولة استحضار النموذج المغربي، وفق مقربين من مطبخ القرار؛ بمعنى السير نحو تداول السلطة والتعددية، مع التأكيد على حماية الملكية وتحصين المؤسسات والقضايا السيادية لضمانة الاستقرار السياسي، وإزالة هاجس "القفز في المجهول" لدى دوائر القرار من أي عملية تحول ديمقراطي نوعية.
في المقابل، هناك من لا ينظر إلى التعديلات على هذا النحو. إذ طالما أنّ القوى الكبرى المعارضة قد تمّ تقسيمها، وعلى العموم من غير المتوقع السماح لها تحت أي ظرف بالوصول إلى أي "سقف مقلق" من التمثيل النيابي، فإنّ وصول أي قوى حقيقية لتشكيل حكومة نيابية بالمعنى الحقيقي للكلمة، هو أمر مستبعد في الانتخابات المقبلة.
وبرغم أنّ قانون الانتخاب الجديد أفضل مما سبقه، ومن المتوقع أن تكون "نوعية المخرجات" أحسن بكثير، إلا أنه لا يساعد على تكوين أغلبيات داخل مجلس النواب. ثم إنّ فكرة تجميع الكتل بعد الانتخابات، كما حصل في اللحظة الراهنة، ليست فكرة ناجعة ولا مقنعة، حتى بعد تغيير النظام الداخلي لمجلس النواب.
من هنا تكمن الخشية في أن نكون أمام تعديلات دستورية تقوّي المؤسسات السيادية وتدستر حضورها ونفوذها إزاء الحكومة والنواب معاً، من دون أن تكون هناك حكومة نيابية تنهض لترسيم توازن السلطات المطلوب!
إذن، بالرغم من أنّ التطورات الأخيرة تمهّد للانتخابات، إلاّ أنّها -في الوقت نفسه- تضع الناس في حالة ملتبسة بين اليقين والشك، حول طبيعة المرحلة المقبلة وآفاقها المنتظرة؛ هل ستحمل انفراجاً سياسياً وانتخابات قوية وعودة للحياة النيابية، وحكومة نيابية كاملة الدسم، أم أنّنا سنستمر في الحلقة المغلقة نفسها، من دون تقدّم حقيقي في المسار الديمقراطي؟!