التعديلات الدستورية.. أين الغطاء السياسي؟
هل جاءت وجبة التعديلات الدستورية الأخيرة مفاجئة لأغلبية المشتغلين في العمل العام؟
أعتقد ذلك؛ ويمكن الاستدلال من سيل الأسئلة والاستفسارات التي انهالت من النخب، وحتى عامة الناس، وتمحورت جميعها حول مغزى التعديلات وتوقيتها ودلالاتها المستقبلية.
كان الحديث حول التعديلات الدستورية يدور همسا في دوائر ضيقة، ولم يكن أحد يعرف على وجه التحديد فحوى التعديلات المنوي إجراؤها، ولا موعدها. وفي وقت مضى، ساد الاعتقاد بأنها ستقتصر على المادة المتعلقة بحرمان مزدوجي الجنسية من تولي المناصب السياسية، وإلغاء البند الذي يحرم رئيس الوزراء الذي يحل البرلمان في زمن حكومته من إعادة تشكيل الحكومة التالية، وهو ما لم يرد في التعديلات المقدمة.
في المحصلة، الحكومة طرحت حزمة التعديلات قبل يومين، وأحالتها إلى مجلس النواب بصفة الاستعجال من دون مقدمات، مكتفية بما جاء في باب الموجبات الملازمة حكما لكل الشتريعات وتعديلاتها.
وفي حالة تعديل الدستور، يبدو أن ذلك ليس كافيا لتفسير خطوة بهذا الحجم والأهمية، وكان لا بد من غطاء سياسي للحزمة المطروحة، يضعها في سياق خريطة الإصلاحات التي تبنتها الدولة، وتناولتها بإسهاب الأوراق النقاشية للملك عبدالله الثاني.
الأجوبة المختصرة والمعممة التي سمعناها من الحكومة تحت قبة البرلمان، ليست كافية. ثمة أسئلة تتطلب ردودا موسعة ومعمقة. ومنها على سبيل المثال، السؤال عما إذا كانت التعديلات المتعلقة بصلاحيات جلالة الملك في التعيين خطوة تمهد لمنح مجلس النواب مزيدا من الصلاحيات الدستورية في اختيار رئيس الوزراء؟
رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، والمقرب من حلقات القرار، ألمح إلى ذلك بقوله، أمس، إن التعديلات الدستورية تمهد الطريق لحكومات حزبية.
إذا صح هذا القول، فهل هناك نية لتعديل دستوري رابع لتحقيق هذه الغاية؟
البعض قال بالأمس إن التعديلات الدستورية تتعارض مع فلسفة الأوراق النقاشية لجلالة الملك. لا يبدو مثل هذا القول دقيقا أبدا. لكن لا بد من نقاش علني يضع النقاط على الحروف.
عند تكليف اللجنة الملكية بفتح مواد الدستور قبل أربع سنوات، وإجراء تعديلات واسعة تجاوزت ما كان في دستور 1952، اقتربت اللجنة في ذلك الحين من تبني اقتراح بانتخاب نصف أعضاء مجلس الأعيان وتعيين النصف الآخر، وتم التوافق على تأجيل المقترح لمرحلة مقبلة. فهل يلغي التعديل المقترح حاليا على الدستور هذا الأمر بشكل نهائي، أم أن بالإمكان مقاربته في المستقبل؟
من الخطأ تجاهل أسئلة الرأي العام وملاحظات المختصين. والوقت، في اعتقادي، لم يفت على توفير الغطاء السياسي لحزمة التعديلات. المهم أن يخرج كبار المسؤولين والمعنيين عن صمتهم، ويتقدموا للناس ببيان شامل يضع التعديلات المقترحة في سياقها الموضوعي، ويرسم ملامح المرحلة المقبلة، ولو بقلم رصاص.