روسيا والغاز ونتنياهو
نشرت صحف عالمية وإسرائيلية تقارير عن اتصالات روسية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لمحاولة ترتيب دخول موسكو وشركات الطاقة الروسية، وربما حتى القوة الروسية العسكرية، ضمن مشهد حقول الغاز المكتشفة في البحر الأبيض المتوسط، والمشاريع الإسرائيلية-القبرصية الخاصة باستخراجه، بما قد يؤدي، بحسب المصادر، إلى تراجع العلاقات الإيرانية-الروسية لصالح هذا المشروع؛ وأن هذه الموضوعات كانت ضمن أعمال لقاء نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الخميس الماضي.
يعاني الاقتصاد الروسي جداً بسبب تراجع أسعار الغاز والبترول. ويعاني أكثر، وهنا القلق، بسبب ميل أوروبا إلى البحث عن مصادر غاز بديلة، لتخفيف الاعتماد على المصادر الروسية التي تزودها بما يصل إلى ثلث وارداتها من الغاز الطبيعي. وهذه المصادر تشمل الاستيراد من مناطق أخرى، أو مصادر طاقة بديلة. وبالتالي، طبيعي أن تشعر روسيا بقلق مضاعف من الحديث عن مشاريع استخراج غاز إسرائيلية-قبرصية، يمكن أن توفر للأوروبيين مصدرا بديلا جديدا. ويريد الروس أن يصبحوا جزءا من المشاريع الجديدة؛ في عمليات الاستكشاف والاستخراج والنقل، كنوع من ضمان حصة تعوضهم عن أي نقص في صادراتهم.
في الواقع، محاولات روسيا دخول سوق الغاز الإسرائيلي ليست جديدة. وعلى مدى سنوات، ربما على الأقل منذ العام 2013، وهي تحاول ذلك من خلال العمل على شراء حصص في شركات الغاز الإسرائيلية، ولكن ليس هناك قبول إسرائيلي. وبحسب الأنباء المنشورة الآن، فإنّ بوتين يعرض أيضاً إمكانية أن يلعب دورا في حماية حقول الغاز إزاء قوات حزب الله، خاصة أنّ هناك حقول غاز قبالة السواحل اللبنانية (تعود للبنانيين إذا استخرجت).
بحسب وكالة أنباء "بلومبيرغ"، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حصل الأسبوع الماضي، على وعود من الرئيس الروسي بوتين، تتعلق بالتنسيق لمنع إيصال الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، من سورية وإيران؛ وأن لقاءات بين المسؤولين العسكريين الروس والإسرائيليين ستجري للتنسيق الميداني، و"ضمان حرية حركة القوات العسكرية وسلاح الجوي الإسرائيليين في الأماكن المهمة لأمنها"، كما نقلت الوكالة عن مكتب نتنياهو.
هناك سيناريو يطرح نفسه في ضوء النشاط العسكري الروسي المتحالف مع حزب الله وإيران والنظام السوري، والمنسق في الوقت ذاته مع الإسرائيليين، هو أن تلعب موسكو دور المنسق الصامت أو غير المباشر بين هذه الأطراف، خصوصاً في موضوع حقول الغاز. وبحيث تضمن موسكو عدم الصدام مع الإسرائيليين، وربما حتى التنسيق معهم ضد الأتراك، وضد الدور التركي في سورية، وضد المطالب التركية في حقول الغاز، خصوصاً فيما يتعلق بقبرص التركية. وإن كان يمكن أيضاً توقع تعديل على هذا السيناريو ليشمل التعاون مع تركيا لمد أنابيب غاز عبرها، من الشواطئ الفلسطينية وبتنفيذ أو مشاركة روسية. وفي حالة تحقق هذا السيناريو، فإن احتمال أن تنشأ مصالح روسية عربية، مع دول مثل السعودية، تتضمن تراجعاً عن دعم النظام السوري، ستصبح أمراً مستبعدا بشكل أكبر مما هي مستبعدة الآن، رغم ما نشر عن محاولات سعودية.
في الواقع، السيناريو الذي تروج له الصحف الإسرائيلية ووسائل إعلام عالمية، هو أنّ روسيا قد تتراجع عن تحالفها مع إيران لصالح تعزيز العلاقات مع الإسرائيليين. ومما يستشهدون به للتأكيد على هذه الاحتمالية، عدم تسليم موسكو لصواريخ "اس 300"، المتفق عليها مع طهران منذ سنوات. والغضب الإيراني من ذلك، رغم أن الحصار الدولي كان سبباً أساسياً في عدم التسليم. وإذ يبقى سيناريو التخلي عن إيران لصالح إسرائيل ممكنا، فإنّ هناك سيناريو ثالثا ممكنا، ويتمثل في فشل أي تفاهم إسرائيلي-روسي، خصوصاً مع احتمال معارضة أميركية لدخول موسكو للبحر الأبيض المتوسط بشكل أكبر عبر مشاريع الغاز الإسرائيلية-القبرصية. وهذا قد يرتد بتعزيز العلاقات الروسية-الإيرانية.
هناك نوع من الحراك ومحاولات ترتيب وتشكيل المشهد الروسي في المنطقة. وهذا خاضع لتجاذبات ومناورات مختلفة، وستعتمد نتيجة هذا الحراك على متغيرات عديدة، من ضمنها مدى قبول الإسرائيليين إعطاء الروس دورا في قطاع الغاز وفي أمنه، ومدى موافقة واشنطن على ذلك.