هل تحرك المبادرة الفرنسية للسلام المياه الراكدة
تشهد الفترة الأخيرة اهتماماً فرنسياً متزايداً بالملفات الإقليمية، والتي كانت على أجندة زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، لكل من الأردن ولبنان ومصر.
قد يكون من أبرز هذه الملفات الإقليمية المبادرة الفرنسية لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي؛ إذ قام المبعوث الفرنسي لعملية السلام بزيارة للمنطقة مباشرة بعد زيارة الرئيس أولاند، لحشد الدعم للمبادرة، في محاولة لاستئناف عملية السلام التي توقفت بعد فشل جهود وزير الخارجية الأميركي للتوصل الى تسوية بين الطرفين قبل عامين تقريباً.
المبادرة الفرنسية تنطلق من قناعة بأنه لا بد من وجود جهد وإطار دوليين للمساعدة في التوصل إلى حل؛ لأن النموذج السابق القائم على المحادثات الثنائية لم يؤدِ للنتائج المرجوة.
على المستوى الإجرائي، يسعى المبعوث الفرنسي لحشد الدعم للقاء تشارك فيه الأطراف الدولية والإقليمية -من دون مشاركة الفلسطينيين والإسرائيليين- في نهاية أيار (مايو) المقبل، يتم خلاله تحديد المبادئ والأسس التي يجب أن تقوم عليها عملية السلام، آخذين بالاعتبار كل الجهود والأفكار والمبادرات (كالمبادرة العربية).
وبعد التوصل لهذه المبادئ، يتم الانخراط في مفاوضات يشارك فيها الفلسطينيون والإسرائيليون برعاية دولية. وفي حال تم التوصل لاتفاق، يتم عقد مؤتمر دولي نهاية العام، بمشاركة دولية وإقليمية واسعة، يقوم بتبني الاتفاق الذي قد يتم إرساله للأمم المتحدة للمصادقة عليه وإقراره.
من دون شك، تمثل المبادرة محاولة جادة ونظرة جديدة لتسوية النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. لكن إمكانية نجاحها تعتمد على عوامل عديدة، من أهمها مواقف الأطراف ذات العلاقة. فالموقف الإسرائيلي من المبادرة ليس إيجابياً، إذ يرفض نتنياهو فكرة أن يكون هناك دور أممي لحل النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي، ويفضل المفاوضات مع الفلسطينيين مباشرة، بما يسمح له بالاستمرار في الاستفراد بهم والتسويف وفرض الشروط. لكن بالرغم من الرفض العلني للمبادرة، إلا أن إسرائيل لن تقود حملة لإفشالها. وقد يكون أحد الأسباب أنها لا تريد أن تبدأ معركة تظهرها رافضة لإقامة دولة فلسطينية -وهي كذلك- لكنها ستسعى لإفشالها لاحقاً إذا وجدت أنها لا تتماشى مع مصالحها.
أما الموقف الفلسطيني فهو الأكثر حماسة للمبادرة الفرنسية، لأنها تحرك عملية السلام من جديد، وتعيد المشكلة الفلسطينية للمجتمع الدولي الذي لا بد من أن يستند إلى مبادئ وأسس ومرجعية جديدة، وهو مطلب فلسطيني أصلاً. وللتعبير عن حسن النية، وافقت السلطة الفلسطينية على تأجيل التقدم بمشروع إدانة الاستيطان في الأمم المتحدة. وأخيراً، فإنه ليس هناك ما يمكن أن تخسره "السلطة" في حالة عدم نجاح المبادرة، بل إنها تستطيع تحقيق بعض المكاسب السياسية والمعنوية من خلال الموافقة عليها.
وعربياً، هناك اهتمام وترحيب بالمبادرة من دول إقليمية مهمة، على رأسها الأردن، كما من جامعة الدول العربية، لاسيما أن المبادرة العربية التي قدمتها السعودية وأقرتها الجامعة قبل أكثر من عقد من الزمن، ستكون من الوثائق التي تستند اليها المبادرة.
بالطبع، فرنسا تعد دعماً أوروبياً وعالمياً للمبادرة، لكن الموقف الأميركي قد يكون الأهم، والذي ما يزال غير محسوم حيال المبادرة؛ ليس فقط بسبب قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، بل لأن فريق كيري الذي عمل على المفاوضات سابقاً يشعر بالإحباط، لكن لا يوجد اعتراض على المبادرة. وربما ينخرط الراعي الأميركي بشكل أكثر فعالية في عملية المفاوضات لاحقاً.
المبادرة الفرنسية تكتسب أهميتها ليس فقط بإعادتها الملف للمجتمع الدولي، وإنما أيضاً بالتصور لكيفية إدارة عملية التفاوض إن حصلت. واسرائيل تخشى الموقف الشعبي المتصاعد أوروبياً وأميركيا والرافض لسياسات الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
وهناك عقبات أيضاً على الجانب الفلسطيني، بخاصة في ظل الانقسام الحاد بين "فتح" و"حماس"، وانعكاس ذلك على قدرة الفلسطينيين بلورة موقف موحد في المستقبل.
المبادرة الفرنسية تشكل جهداً جديداً بهذا المضمار، ولكنها قد لا تكون قادرة على أكثر من تحريك المياه الراكدة في عملية السلام.