فسادنا الصغير لم يعد سرا
عندما بشّرَنا رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، قبل فترة وجيزة، بأن حكومته خالية من الفساد؛ فهي لم تشهد على امتداد سنوات عمرها، الطويلة نسبياً، قضية فساد واحدة، أيدنا هذا القول.
لكننا ذكّرنا الرئيس، في الوقت ذاته، بالفساد الصغير الذي بات ينخر مؤسسات لدينا. لكنه تذكير لم يؤدِ إلى رد فعل واحد، جوهره التأكيد للمجتمع أن النوايا متوفرة لمحاربة هذه الظاهرة التي غزت بعض مؤسساتنا وتمكنت منها.
يوم الثلاثاء الماضي، "بشرتنا" منظمة الشفافية الدولية بأن لدينا الكثير من الفساد الصغير، في عدد من المؤسسات الأردنية. ما يعني أن الأمر ما عاد ملحوظاً محليا، بل بلغ العالمية! ويا ليتنا بلغنا هذا الإنجاز على صعيد مؤشر محاربة الفساد، وليس تفشيه.
الفساد الصغير الذي لا يكترث له أحد، بما في ذلك الجهات الرقابية كما يبدو، هو خطر حقيقي على مجتمعنا ومنظومتنا الاجتماعية، وبما قد يفوق الفساد الكبير؛ فهو يطال الجميع فعلياً، وليس الموظف العام وحده. إذ من ناحية، يعني تقبل الفرد المواطن لفكرة تقديم الرشوة، تماماً كما بات يقبلها الموظف العام، في كثير من الحالات وليس الجميع بالتأكيد.
إذن، فسادنا الصغير لم يعد سرا، ولم يكن كذلك على المستوى المحلي منذ فترة ليست قصيرة قبل صدور تقرير "الشفافية الدولية". ولدينا العديد جداً من القصص عن كيف تمت رشوة موظف في هذه المؤسسة أو تلك، صار يرويها الناس من دون أدنى شعور بالذنب، وبما يجسّد بشكل صارخ حجم تغير قناعات الأردنيين!
الظاهرة ستنمو. وهنا الخطر الحقيقي على سمعة البلد وأهله. إذ ليس الكل مرتشياً بلا أدنى شك، لكنّ الانطباعات أحيانا، إن لم يكن دائماً، تكون أخطر من الحقائق، لاسيما حين يسود الاعتقاد بين 75 % من الأردنيين، بحسب تقرير "الشفافية الدولية"، بازدياد الفساد خلال العام الماضي.
والمعنى هنا أن فكرة الأردنيين عن الفساد ما تزال انطباعية، وليست حقيقة راسخة بالضرورة. لكن يظل الثابت إزاء هذه النتيجة أو الانطباع، هو فشل الإدارات الحكومية في تغيير الصورة والقناعات لدى العامة. ولعل أحد أسباب ذلك أن ملفات الفساد الكبير التي بتّ القضاء بشأنها، ودان متورطين فيها، ما تزال "مكانك سر".
اليوم، نحتاج إلى الاعتراف بمشكلة الفساد الصغير بدلا من أن نهمس بها، وذلك بغية ضمان عدم تمدد هذه الآفة، ووضع حد لمن يمارسها، فنحافظ بالتالي على ما تبقى من قيم النزاهة ونظافة اليد؛ فالحالة على صغرها تشوه صورة الأردن.
خلال المرحلة المقبلة، ونتيجة للتغيرات الكبيرة التي عرفتها المملكة، ستكون لدينا حكومات من نوع جديد، شكلت حكومة د. عبدالله النسور الحالية نواتها؛ تقوم بأدوار تنفيذية وفنية فحسب. وستكون واحدة من أهم مهام هذه الحكومات استعادة السمعة الناصعة للبيروقراطية الأردنية، والتي تشوهت بفعل التراخي وغياب المحاسبة، وأهم من ذلك بفعل غياب العقيدة لدى الموظف العام، كما فقدانه -وللأسف- الاحترام بسبب ما يفعله البعض بدافع تدني الرواتب ربما، أو بسبب ضخامة حجم القطاع العام.
اللوم يقع على الجميع. والتحولات ألقت بظلالها الاجتماعية والثقافية على كل ما عندنا، بشكل لم يعد السكوت ممكنا عنها. ما يستدعي قراءة معمقة تشخص الحالة، وتقدر حجم المشكلة، لأن فسادنا الصغير، مرة أخرى، لم يعد سرا.