"الجلوة العشائرية" انتهاك للحق والقانون
قرر مجلس الوزراء تعديل قانون منع الجرائم بإضافة مواد قانونية تتعلق بالجلوة العشائرية الناشئة عن جرائم القتل، أهم مافي التعديل أن الجلوة العشائرية اقتصرت على الجاني وأولاده ووالده.
الحكومة بهذه الخطوة "قوننت" الجلوة العشائرية بعد ان كانت عرفاً عشائرياً استمد من قانون محاكم العشائر الذي ألغي عام 1976.
الحكومة تعتبر هذا التوجه خطوة للأمام نحو تقليل الضرر الواقع على افراد العشيرة حين ترتكب جريمة من أحد أفرادها، حيث كان الحاكم الإداري وسنداً للعرف العشائري يجبر عائلة القاتل للجلوة وكما يقال "حتى الجد الخامس".
الحكومة تعاملت مع خلل قائم ينتهك قواعد العدالة وسيادة القانون بخلل جديد لا يقل فداحة ويعصف بالقانون، وبدلاً من التصدي والتعهد بحماية الأبرياء وصيانة حقهم بالأمن والإقامة والتنقل دون اكراه، استسلمت لمنطق القوة والتنمر على القانون وعلو صوت العشيرة على قواعد القانون.
تتباهى الحكومة بأنها حققت إنجازاً وقلصت معاناة عائلات مظلومة، لكنها لم تلتفت إلى أنها تجاوزت على قواعد قانونية أبرزها أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته، ومبدأ شخصية العقوبة "لا تزر وازرة وزر أخرى"، ومبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وفي الجلوة انتهاك للحق بالتنقل، ومصادرة الحق بسكن الأفراد في أماكن اقامتهم، وهدر الحق بالملكية حين تجبر عائلات على إخلاء بيوتها ومحلاتها وأراضيها.
بصراحة لا أعرف كيف تبرر الحكومة كل هذه التجاوزات على الدستور والمعاهدات الدولية والقانون، ولا أفهم لماذا لجأت إلى هذا الخيار بدل أن تفرض احترام القانون وإنفاذه ومعاقبة من يتجاوز على خرقه، أو يريد أن يثأر وينتقم ولا يحترم قوانين الدولة؟
بصراحة أيضاً أذهلتني عنجهية الحكومة حين تمتلك قلباً شجاعاً لإضافة مواد متعلقة حصراً بالجلوة العشائرية إلى قانون منع الجرائم المقر منذ عام 1954 ولا تلتفت أبداً لكل النقد الشديد لهذا القانون منذ عقود.
ما دامت الحكومة عدلت قانون منع الجرائم فمن باب أولى أن تضع حداً لخروقات هذا القانون الذي يصفه الحقوقيون بأنه غير دستوري ويسمح للحكام الإداريين بالإفراط باستخدامه لتقييد الحريات وفيه تجاوز على صلاحيات القضاء.
لم تتذكر الحكومة الانتقادات الدولية لهذا القانون العرفي، وكان آخرها في اجتماعات لجنة مناهضة التعذيب في جنيف، وقبلها الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان بالأردن، فهذا القانون مسؤول عن التوقيف الإداري الذي يتم خارج اطار القضاء.
كثيرة هي القصص التي يمكن سردها حول هذا القانون والانتهاكات التي ترتكب من جراء استخدامه، فهو يتيح للحاكم الإداري أن يوقف أي شخص يعتقد أنه في ظروف تجلب الشبهة، أو أنه يشكل خطراً على الناس والمجتمع، أو أنه كان على وشك تنفيذ جريمة أو المساعدة في تنفيذها.
وتحت غطاء هذه اليافطة أوقف المئات من المظلومين بلا ذنب سوى أن المحافظ أو المتصرف كان لديه قناعة بأن هذا الشخص مشتبه به، ويشكل خطراً دون أن يقرر القضاء ذلك.
والأنكى من ذلك أن هذا القانون استخدم لحرمان النساء من حريتهن اذا كان هناك خطر على حياتهن، ولا يقتصر الأمر على قضايا الشرف بل امتد لتوقيف النساء اذا ما قدمت شكوى من ذويهن بأنهن غادرن المنزل.
مقترح تعديل قانون منع الجرائم سيذهب للبرلمان لإقراره، وربما يوافق مجلس النواب على التعديلات حتى لو خالفت الدستور والقانون بشكل فج، فالحكومة قادرة على تمرير ما تراه صواباً، وليتها تملك الهمة والإرادة في تعديل التشريعات التي لم يتوقف الناس ومؤسسات المجتمع المدني عن المطالبة باقرارها، أو على الأقل تنفيذ تعهداتها لمراجعة وتعديل قوانين كانت سبباً في تشويه صورة الأردن وفضحنا أمام المجتمع الدولي.