فوائد ممكنة لأزمة الانتخابات البلدية الفلسطينية
لا توجد أهمية سياسية كبيرة مباشرة للانتخابات البلدية الفلسطينية؛ فهي لا تجرى على أساس الانتماء السياسي، بقدر ما تجرى وفق حسابات عائلية، وشخصية، وخدماتية. رغم ذلك، فإن لها أهميتها الوطنية، ويمكن أن تعكس حيوية وفعالية "الماكينة" العملياتية لكل فصيل، والقدرة مثلا على صياغة تحالفات مع القوى المجتمعية.
في الانتخابات البلدية التي كانت مقررة الأسبوع المقبل، وجرى تأجيلها عقب قرار قضائي، كان المؤمل أن تكون هذه الانتخابات بداية وحدة وطنية. لكن تأجيل الانتخابات الآن، لا يجب أن يشكل مؤشرا على أفق مسدود؛ فهناك فرصة حقيقية للاستفادة من الأزمة الراهنة.
قررت الحكومة الفلسطينية، يوم أمس الثلاثاء، تأجيل الانتخابات البلدية أربعة أشهر، وذلك بعد يوم واحد من قرار محكمة العدل العليا في رام الله، الاستجابة لدعوة قدمت إليها من محام. وقررت المحكمة استكمال إجراء انتخابات الهيئات والمجالس المحلية في الضفة الغربية، وتعليق إجرائها في قطاع غزة، لحين إصدار قرار من مجلس الوزراء لتحديد إجرائها في غزة "لعدم قانونية المحاكم في القطاع".
اتهامات "حماس" بأن قرار "العدل العليا" مسيّس، تقابلها ادعاءات "فتحاوية" شبيهة بشأن محاكم قطاع غزة. فقد ردت لجنة الانتخابات المركزية خمسة طعون تقدمت بها "حماس"، فلجأت الأخيرة للمحاكم في المحافظات التي تتبعها المناطق الانتخابية، وقدمت طعونا من نوع أنّ مرشحة تسكن في منطقة تختلف عن التي ترشحت فيها (فيما ترد المرشحة أن لها مسكنين)، أو أن مرشحا لم يكمل عملية التقاعد، وبالتالي أسقطت القوائم كاملة، وليس أشخاص فيها. فيما أسقطت لجنة الانتخابات المركزية، أيضاً، أربع قوائم تتبع حركة "فتح" في القطاع، وبهذا أسقطت تسع قوائم فتحاوية من أصل 25 قائمة في غزة. وبما أنّ "فتح" لا تعترف بمحاكم غزة التي شُكّلت على أساس مختلف لما ينص عليه القانون الفلسطيني، رفضت الذهاب لها، وذهبت لمحكمة العدل العليا.
لا يمكن لمحكمة العدل العليا أن تجيز شرعية المحاكم في غزة، وذلك بحكم نصوص قانونية محددة، وما كان يمكن أن يجنب الجميع هذا الموقف، هو "التسييس" الحقيقي، بعدم محاولة استخدام المحاكم من قبل الطرفين، "حماس" و"فتح" في نكايات انتخابية.
يثبت تطور الأحداث في موضوع الانتخابات البلدية، أنّ لا أحد يستطيع أن يمضي وحيداً في الحكم، أو يحاول أن يقصي الآخر؛ فـ"فتح" لا تستطيع العمل في غزة، ولا يمكن أن تَجري انتخابات أو تقوم الحكومة في رام الله بتعيين مجالس بلدية في غزة، من دون الدخول في مواجهة مع "حماس" التي ستُفشل الأمر. و"حماس" تكتشف مجدداً، أنها لا تستطيع جعل البنى التي فرضتها وأوجدتها، أمرا واقعا مقبولا، ومن ذلك محاكمها. وقد اكتشفت مسبقاً، أنّه حتى الدول والحكومات الحليفة لها لا تستطيع التعامل معها كسلطة شرعية في غزة، ناهيك أن تكون بديلا من الرئاسة الفلسطينية.
لعل الإيجابي في قرار الحكومة الفلسطينية، تأجيل الانتخابات "على أن يتم توفير البيئة القانونية المناسبة لإجرائها في كل محافظات الوطن بيوم واحد"، هو الإصرار على توحيد العمل الفلسطيني. والآن، يمكن الدخول في حوار سياسي حول ذلك، وأن يكون ذلك بوابة لمعالجة إفرازات الانقسام، ومن ذلك المحاكم، بطرق منها "تطبيع" العلاقة بين أقسام الأجهزة القضائية، من مثل الاعتراف بشرعية محاكم غزة، بعد معالجة أي تحفظات قد تكون موجودة من الجهات المعنية في التشكيلات القضائية، ومن دون إغفال الأبعاد السياسية والوطنية التي قد تفرض مواقف مرنة في هذا الصدد.
يمكن اعتبار ما جرى من أحداث في الانتخابات البلدية، بمثابة تجربة أو "بروفا" لعمليات الانتخاب، وإنهاء الانقسام، والعودة مجددا بأداء أفضل على مستويات عدة، بدءا من المؤسسات القانونية والقضائية، وعلاج ما ظهر من مشكلات أوجدها الانقسام، بحيث يصبح حل هذه المشكلة القضائية، نموذجا لحل مشكلات انقسام أخرى شبيهة. بل ويمكن اعتبار ما حدث، تجربة للتعلم منها في الإعداد للانتخابات، وتشكيل القوائم، وسوى ذلك، من قبل الفصائل، وعلى المستوى الوطني العام، وبالتالي تحويل هذه الأزمة إلى فرصة سانحة للخروج من أزمات أكبر.