أقرأتم ما قاله الملك؟!
لخص جلالة الملك عبدالله الثاني في ورقته النقاشية السادسة التي نشرت قبل يومين الطريق التي يتوجب أن تسلكها كل مؤسسات الدولة للوصول إلى بناء الأردن العصري والحديث، طريق عمادها دولة مدنية عصرية يسودها القانون وتحارب تحت سمائها الواسطة والمحسوبية.
ما جاء في ورقة الملك بحاجة لتنفيذ وتفعيل أكثر من حاجة الورقة النقاشية لمؤيدين ومرحبين، فالتنفيذ هو الأساس الذي يمكن الحكم من خلاله، وتنفيذ الرؤية الملكية التي من شأنها نقلنا من مربع لمربع أكثر تقدما، وقت ذاك يمكننا أن نصنف إن كان هذا أو ذاك مع بناء الدولة المدنية الحديثة أو ضدها، إذ لا يجوز أن نؤيد صباحا محاربة الواسطة والمحسوبية، وندعم تعزيز سلطة القانون وإنماء فكر المواطنة، وفي المساء نذهب باحثين عن واسطة هنا أو هناك، أو ننكفئ عشائريا واجتماعيا ونتقوقع على أنفسنا فتصبح نظرتنا ضيقة وأفقنا مغلقا، وتخيم الجهوية، والمناطقية على خطابنا، فتصبح حساباتنا تتمحور في مدى استفادة ابن عشيرتنا أو قريتنا، ومدى قدرتنا على تحقيق مكاسب مناطقية وعشائرية.
الأكيد أنه من دون الأخذ بما جاء في الرؤية الملكية سنبقى ندور في حلقات مفرغة ولن نستطيع البناء على ما تحقق، وما تم إنجازه حتى اليوم، وهذا يعني أنّ علينا وفورا الذهاب بقوة، وبلا تردد أو ارتجاف وحسابات ضيقة لبناء دولة يتم فيها تعزيز دولة القانون والمؤسسات، والعدالة والمواطنة والمساواة.
الورقة النقاشية الملكية جاءت في وقتها وظرفها المناسبين، فهي سبقت افتتاح أعمال مجلس الأمة الثامن عشر المنتخب حديثا، والأمل أن يستفيد أعضاء المجلس مما جاء فيها من أفكار ورؤى والبناء عليها، وأن نذهب ببلدنا باتجاه التحليق في أفق الإصلاح والديمقراطية، وأن لا نعيد تكرار مجالس سابقة بحث أفراد فيها عن عشائرية ومناطقية وجهوية ضيقة، وضغطوا لتوظيف هذا وتنفيع ذاك.
كما جاءت الورقة مشعلا للحكومة للأخذ بها والابتعاد عن أسلوب التراخي في تطبيق وتفعيل سلطة القانون وتعزيز فكرة المواطنة، ومحاربة الشللية والواسطة والمحسوبية، إذ لا يجوز ونحن في مرحلة بناء أردننا الحديث الإصلاحي المدني أن يكون موظف القطاع العام مناطقيا أو جهويا أو عشائريا، ولا يجوز أن يسألك موظف عن أصلك وفصلك وحسبك، ومدى قرابة هذا أو ذاك منك وأنت ذاهب إليه في معاملة، إذ يمكن أن يسألك عن كل ذاك إن كنت ذاهبا إليه لخطبة ابنته أو تجاذب أطراف الحديث معه وليس لقضاء معاملة ومن دون سابق معرفة، ففي هذه الحالة يصنف هذا السؤال بالجهوي والشللي، وتعتبر تلك التصرفات كمن يضع العصا في دولاب بناء الأردن المدني والحضاري.
المطلوب أكثر من تأييد الورقة، هو العمل بها، وتفعيل كل كلمة جاءت فيها، وتطبيق كل حرف منها، وأن يقف الجميع أمام مرآة الذات ويعترف لنفسه أولا قبل أن يعترف للآخرين، ويسأل إن كان سيعمل على محاربة الواسطة والمحسوبية وتعزيز فكر المواطنة ودولة العدالة والمساواة وتفعيل القانون، والإيمان قولا وفعلا بأن لكل أردني من دون النظر لأصله وفصله نفس الحق الذي يمنحه هو لنفسه أو لابن عشيرته. إنْ اعترف بذلك وقرر السير باتجاه الإصلاح يمكن أن نبني دولتنا الحديثة.
وللوصول لذلك فإنه يتوجب إعادة النظر بكل تشريعاتنا، إذ لا يجوز أن تبقى المرأة الأردنية غير قادرة على منح جنسيتها لابنها أو ابنتها أو حتى لزوجها، فهي كالرجل يتوجب التعامل معها على قدم المساواة من دون تفريق، كما لا يجوز أن تبقى العدالة غائبة عن قبول الجامعات والتوظيف والتعيين وخلافه.
كلام الملوك سيد الكلام، وعلى الحكومة الذهاب فورا لتعديل القوانين بما يتوافق مع فكر جلالة الملك المتنوّر والحضاري الذي يريدنا أن نكون مشعلا حضاريا في هذه المنطقة التي تعج بالحروب، وعلينا أن لا نبقى مرتجفين خائفين وأن نذهب لبناء دولتنا المدنية الحديثة التي نباهي بها الدول ونحميها بالقانون والتشريع وتعميق فكر العدالة والمواطنة.