التغيير !
أشياء كثيرة من حولنا تغيرت وتبدلت ، نتيجة التطورات أو العوامل الطارئة التي حدثت على المستويين الإقليمي والدولي، وفي هذا العالم الذي يشهد حالة من الفوضى والمفاجئات والمتغيرات ، لا يوجد مكان للمتفرجين ، أو أولئك الذين ينتظرون نتائج التغيير دون أي استعداد للتغيير من جانبهم !
في العادة تتراكم الأحداث على مدى حقبة زمنية معينة حتى تصل ذروتها ، بحيث تقود إلى سبيلين متناقضين ، وأحوال العالم اليوم ، والأحداث في منطقة الشرق الأوسط ، يمكن أن تقود إلى حرب مدمرة ، أو إلى انفراج فسيح ، فروسيا على سبيل المثال دخلت كلاعب أساسي في المنطقة من مدخل المشكلة السورية ، إنها الآن موجودة بصورة غير متوقعة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ، والقوى الإقليمية تتجاوز حدود الجوار في غياب الحدود بمعناها المتفق عليه في القوانين الدولية ، أو مبادئ وتقاليد حسن الجوار ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول .
إنها السريالية بعينها ، حيث يملي العقل الباطن - بما ينطوي عليه من عقد الماضي ، وأحلام الإمبراطوريات القديمة - على المشهد صورا من التاريخ ، يعيدنا إلى أزمان تخرجنا من الواقع ، وتبعدنا بعيدا عن المستقبل ، ظنا من أولئك أن الصورة الأبهى تكمن في الماضي البعيد ، بدل أن تكون في المستقبل القريب !
وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية تغيرت بتغيير الرئيس ، هذه أول مرة تخرج فيها أمريكا عن معادلة الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، فشخص الرئيس دونالد ترامب ، وما عكسه من تغير في المجتمع الأمريكي ، هو في حد ذاته حدث غير عادي ، وفيه من التحويل والتبديل ما يدفعنا إلى ضرورة فهم الظاهرة الأمريكية الجديدة ، التي قادت إلى البيت الأبيض رجلا يمثل ذلك التحول دون رتوش ، ذلك هو الرئيس الجديد ، الذي أعلن بشكل صريح عن تغيير في السياسات الداخلية والخارجية الأمريكية .
وذلك هو الرئيس الذي تباحث معه جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، بعد سلسلة طويلة وهامة من المباحثات مع نائب الرئيس وفريقه ، وعدد من لجان مجلسي الشيوخ والكونغرس ، وكل من يشكل أحد عناصر العهد الأمريكي الجديد ، إنه أول زعيم على المستوى الدولي يجلس وجها لوجه مع الرئيس ترامب ،الذي يعرف هو أيضا قيمة ومكانة وخبرة الملك الذي تحادث معه حول العلاقات الثنائية والوضع في المنطقة ، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، ومسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، والحرب على الإرهاب ، وأظن أن الإدارة الأمريكية كانت سعيدة بإتاحة الفرصة لرئيسها الجديد كي يسمع تحليلا واقعيا لما يجري في المنطقة ، والحلول التي من شأنها إعادة ترتيب الأوراق المبعثرة ، ووضع حد للآلام التي ذاقتها شعوب المنطقة نتيجة الصراعات على المصالح ، ونزعة الهيمنة والنفوذ ، على حساب الأمن والتعاون والسلام الإقليمي والدولي .
لقد بلغت الواقعية في التحليل أن يؤكد جلالة الملك على دور أساسي لروسيا في حل أزمات المنطقة ، وتلك هي قناعته التي ترسخت لديه خلال مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن التي سبقت زيارته لواشنطن ، وقبل ذلك قراءته للوجود الروسي في الميدان ، فضلا عن العلاقات الجيدة التي تمكن من تثبيتها بين الأردن وروسيا .
ولا شك أن حصيلة تلك المباحثات الهامة سيتشكل منها الموقف الذي سيعرضه جلالة الملك على القادة العرب عندما تنعقد قمتهم في عمان خلال شهر مارس آذار المقبل ، على أمل إحداث تغيير في كيفية التعامل مع التطورات المنتظرة ، وبناء منهج قومي عربي جديد ، وفي اعتقادي أنهم متشوقون لسماع ما سيطلعهم عليه جلالة الملك من حقائق ، واستخلاص لنتائج تلك المباحثات مع الرئيسين الروسي والأمريكي .
بعد هذا كله لدي سؤال بسيط وبريء أيضا ، أليس مع المنطقي أن نتغير نحن أيضا في فهمنا لقيمتنا ومصالحنا ، واعتماد المنهج الاستقرائي أو الاستنتاجي ، والذي يقوم على تتبع الجزئيات للتوصل منها إلى الكليات لحل مشكلاتنا العالقة ، والاستعداد لاحتمالات المرحلة الجديدة التي تتشكل ملامحها أمانا ، ووضع حد لحالة التذمر والريبة والشك ، وكل هذه الضوضاء التي تشوه صورتنا أحيانا ، سواء عن قصد ، أو عن غير قصد ؟!
وللحديث بقية .
www.yacoubnasereddin.com