ذلك هو الحال !
سفحت جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة حبرا كثيرا ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، تناولت تفاصيل الحركات والإيحاءات والإيماءات ، أكثر مما تناولت الخطب والبيانات وتوقيع الاتفاقيات ، كل ذلك بسبب شخصية الرئيس ترامب الذي يصعب الحكم عليها ، ولا حتى فهمها ، رغم أن خطابه في غاية الوضوح ، مع أنه لا يأخذ في الاعتبار مفهوم النظرة المشتركة أو المتبادلة مع الحلفاء سواء كانوا في الشرق الأوسط أو في أوروبا أو في أي مكان آخر !
نـحـن هنا مطمئنون إلى أن علاقاتنا بالإدارة الأمريكية الجديدة ما زالت في نطاقها الاستراتيجي ، حسب الوصف الذي تصفه المؤسسات الثابتة في الولايات المتحدة ، صحيح أن تلك القيمة الإستراتيجية لا تنعكس على الوضع الاقتصادي الأردني ، ولا على الدور الذي يقوم به في مواجهة الإرهاب ، إلا أن الأردن يحتفظ بمكانة مميزة في معادلة الشرق الأوسط الذي لا يستقر على حال أبدا ، وهو في وضع أفضل بكثير من دول الإقليم ، بما في ذلك إسرائيل التي تتزايد مشاعرها بالخوف ، بقدر ما تتزايد مشاعرها بالسعادة ، نتيجة ما يجري في سوريا والعراق ومصر على وجه التحديد .
أمريكا تتغير حتما ، فالمسألة ليست مجرد رئيس " غريب الأطوار " إنه عالم كله يتغير ، بغض النظر في أي اتجاه ، وبين الثابت والمتغير مسافات واهية قابلة للتبدل في كل لحظة ، ذلك هو حال العالم اليوم ، الذي تتزامن الكثير من أحداثه مع احتفالاتنا بالذكرى الواحدة والسبعين لاستقلال بلدنا ، احتفالات تأتي دافئة محملة بالأشواق والمشاعر الرقيقة ، والذكريات الجميلة ، ولكنها ليست غافلة عن كل ما يحيط بالأردن من أزمات ومخاطر وتحديات ، ذلك أمر طبيعي ومنطقي ، إنه فهمنا لمعنى الاستقلال عندما تكون موجودا في منطقة تنهار فيها الدول ، وفي عالم أزال الحدود ، والخصوصيات الوطنية ، والأهداف القومية ، وحل مكانها القرية الصغيرة ، التي تتسع وتضيق حسب المصالح القابلة للمراجعة في كل وقت !
ما هو معنى الاستقلال ضمن هذا الواقع الإقليمي والدولي ؟ ستكون الأجوبة كثيرة والآراء مختلفة في فهم الاستقلال بمعنى السيادة على الأرض ، واستمرار الدولة وتطور مؤسساتها ، ونمو اقتصادها ، ونهوض مجتمعها ، وصيانة مصالحها الخارجية ، ومكتسباتها الداخلية ، والأهم من ذلك التمسك بالأمل ، والتقدم نـحو الأفضل ولو سنتيمترا واحدا .
أتابع قبل أيام الرئيس ترامب كيف يسلم على قادة دول حلف الناتو وكيف يحملهم نصيبهم من الأعباء المالية من أجل أمن أوروبا ، وأتساءل أي عالم هذا الذي نعيشه اليوم ، لقد صارت الشعوب تسمع ما يقال لرؤساء الدول علنا ، بل إنه قد تم تحديد عدو واحد للبشرية هو الإرهاب ، ولكن ماذا عن حرب الأقطاب الباردة ،والمصالح المتناقضة ، واقتسام مناطق النفوذ ؟
ذلك هو الحال ، الذي نـحن فيه في أحسن حال ، فليس من شأننا تغيير العالم ، ولا نستطيع ، كل ما نستطيعه هو التمسك القوي بهذه الأرض التي نقيم فوقها ، وبشيء من الحنان عليها ، ومن المحبة لها ، ومن الصبر في سبيلها ، فاحتمالات القادم خطيرة ومريرة ، وما نستطيع عمله من أجل حمايتها ، وحماية أنفسنا هو أن نفهم كل شيء على حقيقته ، وأن نواصل مسيرتنا لحل مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية ، ونطور بقية قطاعات الدولة ، ونركز حديثنا وتفكيرنا على واقعنا ، وترتيب أولوياتنا بما في ذلك التزاماتنا الإقليمية والدولية .