الاستقلال .. الطلقة والانطلاق
الأردنُّ ... هَــذا النَّسيــجُ المتـــآلفُ المترابــطُ ســاعداً على ســاعد .. هــذا الفَتيُّ العَصــيُّ على خَربشـــاتِ الزمــان ودهـــاليز العُـــدوان والأعـــداء .. هــذا الخــافِقُ الذي يَســـعُ كلَّ القُـــلوب من أقصى أقاصي البـــلاد ، ويَنزفُ حُبَّـــاً بقطـــراتٍ يعـــربيّةٍ قُرشيّــةٍ ممزوجـــةٍ بكبرياء واثــقٍ وشُمـــوخٍ ســامقٍ ما جَــزعَ ولن يَجـزعْ في الوقوف منتصباً في مواجهــة أباطيل الفرقة والتقسيم والتجــزئة ، ولم يَكنْ إلا محقَّــاً لحــقٍ أو شاهداً عليه ، مُتجـــاوزاً كُلَّ الحُـــدود الضيقة التي تَحكم أنظمــةً عـدَّة في منطقتنا في سبيل إبقـــاء الراية العربية خفّــاقةً عاليــة ، لا يُخــَدَشُ كبرياءها ولا تُغــالبُها كفٌّ تمتــدُ من أوكـــار الظلمِ والظـــلام .. هـــذا الرصـــاصَةُ التي ما انطلقَتْ إلا لتكـــون إعـــلانَ إســـراءٍ بالأمَّــةِ إلى حيث يُسرَجُ نور العَــدلِ وتُقيَّـــدُ أسافـــين الظــلام والبغي والعُـــدوان ؛ هـــذا هو الأردنُّ الصَّلب الإرادةِ والثَّابت الكيـــانِ والأركــان .. فيــهِ من ســراجِ سيِّـــدِ البشرية قُـــوّة العــزيمة والنِّضــال ونَفَـــسُ وثقــةُ القيـــادة الهاشميّــة الباسلــة التي خطَّت دربها على مَــرِّ السنين في الضمـــائر والعقــول .. فتوافـــدَتْ بأنَفَتهــا وعُنفـــوانها ، وسَحــابُها الخَـــيِّرُ ذاتَ السَّحـــاب وخُطــاها واحــدةٌ "الراجي من الله التّوفيــق والعَــونْ" ؛ هــذا هو الأردنُّ .. وهكــذا سيبقى .. السَّــائرُ الثَّـــائرُ الذي لا تزعجــهُ تمتمــاتُ المتربّصــين له بســوء ، ولا تأخـــذهُ عن مبادئــهِ تغًـــاريدُ حـقٍّ أُريـــدَ بها باطلْ.
"ولا تزال أصداءَ طلقـــة الثَّـــورة العربية الكبرى تدوي في سماءِ وطننــا" .. هكــذا يقــرأ جلالـة الملك الهاشمي عبدالله الثاني بن الحسين قصَّـــة الأردن المــاجد التي كانت بــدايةُ وطــنٍ راسخــة قائمــةٍ على مباديء وقيـــم الثورة العربية الكبرى .. فبَعـــد سنواتٍ مُضنيــةٍ من الكفــاح والتضحيــة والبـذل العطــاء تجـــاوزت السبعينَ سنةً ونيِّف نَجـــد الوطــنَ الأكــبر "الأردن" ثابتَ الجـــذور وحافــظَاُ للعهــد مع أمتــهِ ، ماضٍ على ذاتِ الخُطــى منــذ أن اعتَلت رايــةُ الحَــقِّ وارتفعتْ صَرخَــةُ العَـــدل والحــرية ؛ فأصبــحَ الأردنُّ الذي نرى مِلــحَ القلوبِ وزادهــا ، وأيقـــونة المَجـــد الممتـــدَّة من هناك إلى هنا .. وطــنٌ فَتـــيٌّ وعَصــيٌّ على كلِّ محاولات النَّيـــلِ منه أو سَلبِ إرادتهِ وإنهيـــارِ دعائمــه ، الغرسُ الطيِّبُ من بين كُلِّ غراس منطقتنــا الشاسعة ، والقمَّــةُ التي بقيت على القمَّــة ، تعلو على كُلِّ أسبابِ التّفككِ والشَّــرذمة وتجـــيير الوطنِ لأهــدافٍ غير واضحــة المعالم .. وطــنٌ صَمَـــدَ بكلِّ قـــواه وبهمَّـــةِ أبنائه وبحكمــةِ وتَعقُّــلِ قيادته الفــذَّة على كلِّ الصعــابِ والأنـــواء وريــــاح التضييق في ظلِّ تداعيــاتِ ما يجــري من أحــداثٍ في المنطقــة ، فكـــان أردُنَّ الموقف المشرِّفِ الذي لا يتزحــزحُ عن قيمــه ومبادئه ورســالته قيــدَ أُنمُلــة في كل القضـــايا والملفــات التي أفرزتهــا السنــين.
إنَّ استقــلال الأردن لم يأتِ مَحضَ صُــدفَةٍ أو حُلُـــمٍ عابر ، إنمــا كان رســــالةً سَطَّـــرها التاريخُ بأحــرفٍ من نـــور .. وقَـــد كافَــحَ ونافَـــحَ بَنــو هاشــم لأجلــهِ بشرفٍ وأمـــانة حتى يؤسسونَ وطنــاً مستقلَّ الكيــان راســخ البنيــان ، فمِـنْ الثَّــورةِ الكبرى التي مشَتْ تَــدكُّ البَغي مِشيَــةَ واثقٍ إلى تأسيس إمـــارةِ شَـــرق الأردن إلى إلغـــاء الانتــداب الأجنبــي وإعــلان الاستــقلال إلى الكـــرامةِ الشَّمـــاء نَجـــدُ هـذه المســيرة صفحـــاتُ عـــزٍّ وفخـــار تملؤها النجاحات والنَّصـــر ، وتغـــاريدٌ على جـــداراتِ الزَّمنِ يُزيِّنُ هامــاتها قُبلــةَ فَجـــرٍ نَقــيٍّ بَهـــي هو الأردن .. الأردنُّ الذي اشــترى بدمـــاءِ أبنـــائه هــذا الاستقـــلال ، وما استسلمَ لجــورٍ أو استعبــــادٍ ما عاش.
ولسوفَ يُنشَـــرُ يومَ نُذكرُ في غَـــدٍ ... ما كان من جَـــبروتهم وجهـــادي
إثنـــان وسبعــونَ عامـاً مرَّتْ على عُمـــرِ الإستقــلال ، والدولة الأردنيــة لا تــزالُ تمضي على هُـــدىً ورشــاد ، ولا تَــزالُ ركائز وحدتها ودعائــم أمنهــا متمكنَّــة وراسخــة رسوخَ الجبال كمــا أراد لها قادتها الهاشميون ، فكــان استقــلالُ وطننا نهـــاية استعمـــار وضعته على ناصيــة دربٍ ومشــوارٍ جـــديدٍ .. مِنْ هُنــا ســار الأردن مع الزَّمن مسيرة التَّحــدي والإصـــرار على بُلوغ أعلى مراتب الحضـــارة والتطــوير ، والصـــدارةِ في كافــة المجـــالات ؛ ولم تألُ القيــادة الهاشمية على سنيِّ حكمها جهـــداً في إرســـاء مقومات الدولة وتنميــة وتطـــوير مواردها البشرية والاقتصـــادية ، والحــرص الدائم على وحــدة الصفِّ الأردنــي لأجـــل الوطــن ، وليبقــى الفـــارسَ الذي لا يُشَــقُّ له غُبــار ، ولا يتســلّلُ إليــه ظــلامُ عابث ... نعــم ، إنهـــا بدايــة شــاقَّة لكنها كانت واثقــة ومُتبصِّــرة وحكيمــة صَنعت من المجـــد عناويــنَ فَخـــارٍ أردنيَّــة ، وعَلَتْ به إلى حيث الثُّريـــا ، وجعلته منـــارةً يُهتــدى بها ويُقتــدى بإنجــازاتها ورفعتهـا وهيبتهــا ومكــانتها.
وها هي السنـــين قد تعدَّتْ ، ومــرَّ ما مــرَّ من أحداثٍ عصيبــةٍ وحــروبٍ فاجعــةٍ وويـــلاتٍ على أمتنــا العربيــة ، حتى شهــدَت أعنَفَ وأقســى واطــول مواجهــةً وعـــداء في التاريـخ ، والذي يتمثَّــل في فلسطين .. فلسطـــين الجُــرح العربي الذي لم يلتئــم بَعــد ؛ ورغــمَ ما واجهتــه الأردن من ضغوطٍ وتحمُّــلٍ لآثــار الحروب ، ورغــم قلّــة إمكانياته وشُــحِّ موارده إلا أنهُ لم ينسلخَ عن أمته يومـــاً ، ولم يقفْ على الجانب المقابل ضــدَّ أمتــه .. إنما نــذرَ نفسه دوماً للدفاع عنها ونُصــرتها وتقـــديم العــون والمعـــونةَ لها ؛ فالأردنُّ هو الأردنُّ .. سبَّــاقٌ إلى الخــير مُناهضٌ للشــر مُنــذُ عهــودٍ طويلــة ، ولعــلَّ نضــال الهاشمــيين لأجــل الأمــة وقضاياها واضحٌ للقاصي والداني ، وإيمــانهم بفلسطين أرضــاً شرعيــةً لأبنائها والنـــداء بها ونُصــرتها في كل محفــلٍ دولي أو عــربي ، تلك الأرضُ التي اغتســل ثراهــا بدمـــائهم ، ولم يجفَّ بعــد عن بواباتها وأســـوارها .. كُــلُّ هــذا لم يأتِ لولا أنَّ للقــدس وفلسطــين في فكر الهاشميين وقلوبهم مكانتها ومنزلتها العاليــة ، ودعمهــم الموصــول لقضيتها والدفــاع عنها ليس إلا أمــانةً توارثوها جيــلاً عن جيل ، فكــانوا الجــديرون بأن يأخــذوا حقَّ الوصــاية على المقدسات فيها ، فالوصــاية عنــدهم مبــدأ وحــق وشــرعية وليست كيســاً من الدولارات كما يظنُّهــا البعض ... ولعلَّ هــذا ما يؤكــدُ أنَّنا امتلكنــا استقــلال إراداتنا وقــرارنا قبلَ موعــده.
في كلّ يــومٍ لنــا في الوطــن عيـــد وذكــرى ، ذلك أنَّ وطننــا سجــلٌّ زاخـــرٌ من ملاحم الشَــرف والبطــولة والإبــاء ، وصَباحـــاته مــلآى بمواويــل العشــق الاردني وزغـــاريـد المــاجدات الباسمــاتِ وطنــاً .. وطــنٌ يَخفــقُ فينا ويرتــوي منَّــا ونرتوي منـه .. نحملــهُ في شرايينــا نبضــاً وفي عُــروقنا شوقــاً وحبَّــاً .. فإلى الوطــن وحامي لــواء الوطن جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المفــدى أسمى باقــات التهــاني والتبريكــات في يوم استقـــلال الوطــن.