بعد العيد
لم يكن عاديا شهر رمضان المبارك المنقضي، فقد مر خلاله الأردن في مرحلة حرجة، ويبدو أن بركة الشهر الفضيل قد حلت عليه، فتجاوز بها، وبالنوايا والقلوب الطيبة أزمة حقيقية، جعلت أصحاب الأجندات الخارجية يطلون برؤوسهم يطمعون بشعلة نار يلهبون بها كل شيء.
ولكن الأردن أعطى النموذج الأرقى في التعبير الديمقراطي، وجلالة الملك كان المثل الأعلى في الانحياز إلى جانب الشعب وهو يعبر عن ضيقه من كثرة الإجراءات الحكومية التي فاقت قدرته على الاحتمال، وفي تلك اللحظة أيضا أدركت دول قريبة وبعيدة أن الأردن نفسه يتحمل فوق قدرته في سبيل الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، وأنه يدفع ثمن مواقفه السليمة أحيانا، وثمن سياسات غيره التي أدت ليس إلى غلق الحدود بينه وبين العراق وسوريا، بل تحمل أعباء حمايتها من المنظمات الإرهابية دفاعا عن نفسه، ودفعا عن غيره!
ها قد انتهت إجازة العيد أيضا، فكل عام والجميع بألف خير، وها نحن على بداية مرحلة جديدة ليس قوامها حلول حكومة محل حكومة، ولكن قوامها الإرادة والعزيمة الصادقة، في القدرة على تحقيق مشروع نهضة وطني دعا جلالة الملك إلى التوافق عليه من خلال الحوار بين الأطراف المعنية جميعها، وفي ظني أن أولى أولويات رئيس الوزراء هي ترتيب بيت الحكومة، حتى تكون في مستوى النهوض بمشروع نهضوي.
إن واقع الإدارة في بلدنا ليس ناجما عن الإدارة ذاتها، وإنما عن طبيعة العلاقة بين الإدارة والناس، حيث المحاباة والواسطة والمحسوبية هي السوسة التي نخرت كيان الإدارة، إلا من عصم ربك، وفي اعتقادي أن على الحكومة أن تبدأ بالترتيب من دار رئاسة الوزراء حتى أصغر دائرة حكومية في المناطق النائية، وليس بعيدا عنها فإن القطاع الخاص أيضا مطالب بإعادة تنظيم نفسه، فهو بلا بيت حقيقي حتى يرتبه، فتلك المجالس والغرف والهيئات كلها بحاجة إلى إعادة ترتيب وتنظيم وتفعيل.
ما حدث في بلدنا لم يكن عارضا مضى إلى حاله، إنه اختبار حقيقي لمستقبلنا جميعا!