أركان الدولة الثابتة
يظن البعض أن الجدل الذي يسود المجتمعات حول الشؤون العامة للدولة يعكس الدولة بسلطاتها ومؤسساتها وتشريعاتها وقوانينها، وهنا في بلدنا نسمع تعبير "البلد خربانة" نتيجة الانطباعات الناجمة عن ذلك الجدل، الذي يشارك فيه الجميع على قدم المساواة خاصة وأن مواقع التواصل الاجتماعي توفر تلك الفرصة، بغض النظر عن مصداقية الكلام، ومدى الشعور بالمسؤولية الأخلاقية عن الأقوال والأفعال.
أركان الدولة مثلما هي معرفة بالقانون الدولي بأنها تمثل العنصر الأساسي في تركيب المجتمع الدولي المعاصر المؤلف من دول ذات سيادة، كما أن الفقه الدولي يعتبر الدولة مؤسسة تمارس رقابتها السياسية على إقليم معين وسكان معينين وهي مكلفة بتحقيق مصالح المجموعة، ومن هذا المنظور نستطيع أن نرى الأردن دولة ثابتة ضمن تلك التعريفات، بل إنها دولة أساسية في منطقة الشرق الأوسط، تلعب دورا مهما في إقرار السلام والاستقرار والتعاون الإقليمي والدولي.
بلد صغير بإمكانيات قليلة ولكن وجهة نظره تؤخذ في الاعتبار، وتؤثر أحيانا على قرارات الدول الكبرى التي تتحكم في هذه المنطقة، والسبب في ذلك أنها دولة ملتزمة بالقانون الدولي، وتؤمن بنظرية الأمن والتعاون الدولي، وتساعد في تثبيت السلام والاستقرار في مناطق التوتر، إلى جانب أنها تتبنى منظومة من القيم والمبادئ الإنسانية، ولا يمكن تصنيفها إلا دولة فاعلة في محيطها الإقليمي.
تلك هي صورة الأردن رغم ما يمر به من أزمة اقتصادية، ومن مخاض جديد لإعادة تشكيل واقعه الداخلي، بما يضمن المزيد من الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي، وهو مخاض صعب، ولكنه يأتي في الوقت المناسب جدا حيث يتزايد الشعور بضرورة إصلاح الأداء العام لمؤسسات الدولة العامة والخاصة، وتطبيق القوانين والأنظمة بشكل عادل وصارم وحازم، مع توسيع المشاركة في اتخاذ القرار، والشفافية، والمساءلة، وهي العناصر الثلاثة التي تقوم عليه الحوكمة.
البلد ليست خربانة، ولكن ما نحتاج إلى إصلاحه وتقويمه وتهذيبه هو الخطاب العام عن الدولة، وعدم شخصنتها، وتشويه صورتها، ولا نسيان تاريخها، ووعي أهلها الذين ما زالوا يتمسكون بالقيم التي قام عليها مجتمعهم، والمبادئ التي قامت عليها دولتهم!