الموقف الاردني من الكنفدرالية
يبدو ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب بات يتعامل مع ملف القضية الفلسطينية بصورة انتقامية ، وتحت تأثير الصدمة ( والخيبة ) التي انتابته على وقع ردود فعل دول العالم السلبية تجاه الخطوات والقرارات التي اتخذتها ادارته حيال هذا الملف، تماشيا مع خطة السلام الاميركية او ما يسمى بصفقة القرن ، بهدف تصفية القضية الفلسطينية ، ضاربا بالمرجعيات والقوانين والقرارات الدولية عرض الحائط ، عندما قرر الانحياز الكامل الى جانب الكيان الاسرائيلي ، بصورة جعلت الولايات المتحدة تشعر بالعزلة والانكسار وهي تتلقى هذه الصفعة ، وذلك رغم نفوذها وهيمنتها على المنظومة الدولية، والتهديدات التي اطلقتها بقطع مساعداتها المالية والاقتصادية والعسكرية عن الدول التي لن تقف الى جانب خطواتها الانقلابية على الثوابت الدولية حيال الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، وتحديدا فيما يخص الالتفاف على قضايا الوضع النهائي ومحاولة الغائها وانهائها ، كالقدس وقضية اللاجئين وحق العودة . حيث قام الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وبنقل سفارة بلاده اليها. وهو ما رفضته دول العالم ، التي تعتبر القدس مدينة محتلة، ولا سيادة لاسرائيل عليها، ونفي اليونسكو لوجود اي ارتباط ديني لليهود بالقدس والمسجد الاقصى.
كذلك فقد رفضت السلطة الفلسطينية استمرار الولايات المتحدة في دورها كراعية للعملية السلمية ، بعد ان باتت غير مؤهلة للقيام بهذا الدور ، وامتناعها عن عقد لقاءات او اتصالات مع ممثلي الادارة الاميركية ومبعوثيها الى المنطقة على خلفية الموقف الاميركي المنحاز . ما استفز الرئيس ترامب ودفعه الى الاستمرار في تحدي الارادة الدولية ، والى اتخاذ المزيد من السياسات الابتزازية والانتقامية من الجانب الفلسطيني ، انتقاصا لحقوقه المشروعة ، ممثلة في محاولته الغاء حق العودة ، وسحب الاعتراف بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الاونروا ) ودورها، ووقف المساعدات المالية الاميركية عنها ، ومحاولة تحويلها الى الدول المستضيفة للاجئين تمهيدا لتوطينهم فيها. او الى منظمات دولية ، كالمفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين ، لازالة هذا الملف وشطبه ، بحيث لا تبقى وكالة الغوث مختصة باللاجئين الفلسطينيين ، كشاهد على هذه المأساة السياسية والانسانية، وجرائم الاحتلال الاسرائيلي . وعزمه اعادة تعريف من هو اللاجيء الفلسطيني ، ليقتصر على من غادر الاراضي الفلسطينية ١٩٤٨ ، بحيث لا يشمل الابناء والاحفاد واختزال عددهم بنصف مليون فقط بدلا من ٥،٥ مليون. اضافة الى قطع مساعدات اغاثية وتنموية وطبية بقيمة ٢٠٠ مليون دولار ، ووقف الدعم المالي عن مستشفيات القدس ، وكذلك اغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وما رافق هذه الاجراءات الانتقامية من دعم اميركي للاجراءات الاسرائيلية التي تصب في نفس الاتجاه ، ممثلة باقرار قانون يهودية اسرائيل العنصري ، وتكثيف الاستيطان وعمليات التهويد وتدشين مخطط القدس الكبرى لتوسيع حدودها ، وضم اراضي الضفة الغربية الى السيادة الاسرائيلية ، ما يمكن ادراجه تحت مسمى صفقة القرن ، التي تستهدف ضرب المشروع الوطني الفلسطيني وتفكيكه وتصفيته. الامر الذي ينطبق على الحديث عن موضوع الكنفدرالية ، الذي تمت اثارته مؤخرا ، والذي يندرج في سياق الحديث عن صفقة القرن ايضا ، بوصفه احد ادواتها ومخرجاتها التي تستهدف انهاء ملف القضية الفلسطينية على حساب الاردن ، الذي يرفض هذا الطرح بشدة ، ويرى انه لا بديل عن حل الدولتين ، واقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ، وعاصمتها القدس الشرقية . وهو الموقف الاردني الثابت والراسخ الذي أكد عليه جلالة الملك عبد الله الثاني خلال لقائه بالمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى مؤخرا ، معتبرا ان الكنفدرالية خط احمر بالنسبة الى الاردن ، حيث تساءل مستهجنا ومستغربا هذا الطرح .. كنفدرالية مع مين ؟ . خاصة وان الكنفدرالية لا يمكن لها ان تتم الا بين دول مستقلة وذات سيادة . الامر الذي لا يتوفر في الحالة الفلسطينية ، التي يراد التعامل معها على حساب امن الاردن وهويته ومصالحه من خلال تغيير وضعه الديمغرافي والجغرافي ، واقحامه وتوريطه بادوار وظيفية امنية ومدنية ، لتكريس صيغة الخيار الاردني او التوطين او الوطن البديل ، الذي سيصب في صالح الكيان الاسرائيلي ومن بوابة حل القضية الفلسطينية على حساب الاردن ، عبر نقل الرعاية الامنية على الضفة الغربية دون القدس له.
دون ان نغفل خطورة اثارة موضوع الكنفدرالية في هذا التوقيت في ظل ادارة اميركية يقودها الرئيس ترامب ، الذي قام بتنفيذ الكثير من وعوده وتهديداته ازاء ملفات وقضايا دولية ( الإنسحاب من اتفاقيات ومنظمات دولية) واقليمية ( الانحياز الى الجانب الاسرائيلي في صراعه مع الجانب الفلسطيني) . ما يجعلنا نعول كثيرا على الدبلوماسية الاردنية التي يقودها جلالة الملك في مواجهة هذه المخاطر الامنية في ظل الجهود والمساعي الملكية الدؤوبة، التي امكن لها بلورة حالة من الوعي السياسي الدولي ضد الخطوات الاميركية ورفضها ، باعتبارها مخالفة للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة . في إشارة الى حرص جلالة الملك على وضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته التاريخية والقانونية والانسانية والأخلاقية في التعاطي مع القضية الفلسطينية وموضوع القدس ، انطلاقا من الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية ، والدور الأردني الديني والتاريخي في القدس الشريف ، للحفاظ على الوضع القائم ، والحيلولة دون تهويدها وتغيير هويتها وطابعها ومعالمها العربية والإسلامية والتاريخية.
الدستور