الباقورة والغمر والجذور الفاسدة
في قراره عدم التجديد لعقد الإيجار في الباقورة والغمر لإسرائيل، قطع جلالة الملك عبدالله الثاني ذيل الأفعى ورماه بعيدا عن الوطن، منتصرا للإرادة السياسية الوطنية التي تعتبر رمزا لا يمكن المساس به، والقرار متوقع من جلالته منذ جريمة الرابية التي كشفت مجددا حجم الأنانية والإستغلال الرخيص لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي بدأ عهده بأسخف عملية لخرق السيادة الأردنية في محاولة إغتيال خالد مشعل بعمان، واستمر حتى اليوم محاولا شراء صورا بطولية للحفاظ على منصبه المهدد، وهو يثبت كل يوم أن السياسة الإسرائيلية تنمو عبر جذور فاسدة، ومن الواضح عدم وجود كيمياء سياسية بينه وبين الملك.
القرار الذي هتف الشعب كله له بالشكر، ضرب العمق اليميني الإسرائيلي، فتعالت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية صيحات الغضب في أروقة الحكم وفي المستوطنات اليهودية المحاذية لحدود وادي عربة وتحديدا مستوطنة «تسوفار» التي استغل سكانها «مزرعة الغمر» البالغ مساحتها 1500 دونم تقريبا، بطول لا يتعدى ثلاثة كيلومترات وعرض سبعمئة متر، وهي بعيدة عن مستوطنة تسوفار رغم أنها أخذت اسمها، حيث تقع المزرعة ضمن أراضي العقبة - وادي عربه- حوض الغمر رقم 1 البالغ مساحته 75 الف دونم ، تشكل الأرض المعنية مستطيلا يحاذي الطريق رقم 65 الممتد نحو العقبة داخل الأراضي الأردنية.
ملحق الإتفاقية كما إتفاقية وادي عربة هي إرث من عهد الملك الحسين وقعها رئيس الوزراء د. عبدالسلام المجالي ورئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك اسحاق رابين الذي تصادف ذكرى إغتياله بعد اسبوعين من اليوم، والدولة الأردنية ليست هي ذاتها قبل أربع وعشرين عاما، فهياكل البناء العربي مدمرة، والولايات المتحدة في عهدة رئيس لا يفهم من السلام سوى نتائج الأرقام التي يمكنه تحصيلها، وهو مطابق لنتنياهو الذي لا يبالي بأي سلام دائم مع جيرانه مادام الدعم الأميركي متوفر، ولهذا كان القرار الأردني شجاعا ويجب أن يبقى شجاعا ما بقي يخدم المصلحة الوطنية.
في مقالتي صباح أول أمس الأحد، كنت قد ذكرت أن الإدارة الإسرائيلية تريد من الأردن إنهاء المسائل العالقة بالتجزئة، فيما الملك يصر على أن يقدم نتانياهو طرحا متكاملا لحل القضايا بما فيها القدس، ولهذا جاء قرار الملك الإستباقي لموعد الإشعار بالتجديد من عدمه والذي ينتهي يوم الخميس القادم، وهذا دليل على أن الأردن لم يعد واثقا من أن الحكومة الحالية في تل أبيب مستعدة لتقديم أي مشروع أفضل من التنمر والتعدي على حقوق الأردنيين والفلسطينيين الذين تقتل أطفالهم دون أي وازع أخلاقي حتى.
في الشمال حيث الباقورة التي جبّ الملك بقراره أيضا عقد إجارتها، ستعود الأرض الى حضنها الوطني الأصيل، بعد إعادة المزارع التي ينتظرها مشاريع يجب أن تقام فيها وأن لا تهمل، فمشروع المطار الخدمي والتكنولوجيا الزراعية المحتملة سيجعل من حوض وادي الأردن موطنا لأفضل الوجهات الإنتاجية التي تصدر للعالم وقبلة سياحية رائعة، خصوصا إذا تم ترفيع الأغوار الى محافظة يخصص لها موازنة جيدة.
الأردن برؤية جلالة الملك قاد مصيره السياسي خلال إنهيار الجدران المجاورة بحكمة عسكرية واستخبارية فائقة الإحترافية، والتأني الذي كنا نتحسس منه أثبت أن الصبر الحكيم يعطي نتائجا جيدة، ولهذا يجب أن يتم تعزيز الدور الأردني للعب دوره الحقيقي في فرض شروطه التي تخدم المصلحة الوطنية وهذا يحتاج إسنادا شعبيا واعيا وحكومة عالية الكفاءة غير مترددة في لعب دورها السياسي، والأهم اليوم عدم الخضوع لأي تلاعب إسرائيلي جديد لأي تجديد، فإسرائيل جذورها فاسدة ولا يمكن أن تثمر ثمرا جيدا.
الراي