الملك في اليابان
قبل ما يزيد عن عشر سنوات أطلقت اليابان مبادرة ممر السلام والازدهار من منطلق أن المشروعات الاستثمارية المشتركة يمكن أن تساهم في تشجيع فرص السلام في المنطقة ، وفي شهر نيسان الماضي عقد إجتماع وزاري يمثلون اليابان والأردن وفلسطين وإسرائيل في البحر الميت من أجل توفير الدعم اللوجستي للبضائع الفلسطينية ، والمشروعات التي تقيمها اليابان في مجمع أريحا الصناعي الزراعي .
وفي الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني السيد شينزو آبي خلال شهر مايو أيار الماضي ، أعاد التذكير بتلك المبادرة أثناء المباحثات التي عقدها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين معه في قصر الحسينية بحضور عدد من المسؤولين وأعضاء الوفد المرافق لرئيس الوزراء الياباني الذي ضم عددا من كبار رجال الأعمال اليابانيين ، وجاء ذلك في سياق الحديث عن عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية ، حيث تؤيد اليابان موقف الأردن الداعي إلى حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرضها بعاصمتها القدس الشرقية ، كما أنها تؤيد وجهة النظر الأردنية في حل أزمات المنطقة عن طريق التفاوض بين أطراف النزاعات ، وخاصة في سوريا ، التي تحمل الأردن نتيجة أزمتها أكثر من طاقته في استيعاب اللاجئين السوريين .
الزيارات المتبادلة على مستوى رفيع شهدت حيوية ملحوظة مؤخرا ، وزيارة جلالة الملك إلى اليابان في هذا الوقت بالذات تأتي في ظروف بالغة الدقة ، بالنسبة لنا في الأردن الذي يعاني من أزمة اقتصادية مقلقة ، يتعلق أحد أهم أسبابها بالأوضاع السائدة في المنطقة ، وهو بالطبع بحاجة إلى مساعدة أصدقائه من أجل التغلب على هذه الأزمة ، والأصدقاء لا ينظرون إلى الأردن على أنه بلد ضعيف بسبب أزمته الاقتصادية ، وإنما ينظرون إليه من حيث أنه قوة إعتدال في المنطقة ، وقوة فاعلة في محاربة الإرهاب ، كما أن موقعه الجغرافي فضلا عن سياسته المعتدلة الحازمة يشكل نقطة انطلاق مهمة لليابان ولغيرها من الدول الصناعية لإطلاق نشاطاتها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من العقبة بشكل خاص .
محادثات جلالة الملك مع إمبراطور اليابان اكيهيتو ، وولي العهد ناروهيتو ، ورئيس الوزراء آتي ، تظهر بوضوح مدى الاحترام الذي يتمتع به جلالة الملك والأردن لدى تلك الدولة التي تعد مثالا فريدا في النهوض الاقتصادي الهائل رغم فقدانها للموارد الطبيعية ، وهي بالطبع غنية بالموارد البشرية التي حققت كل تلك الإنجازات العظيمة في مجالات الصناعة والتكنولوجيا الحديثة ، ومن الطبيعي أن تكون نسبة وارداتنا منها أضعافا مضاعفة لصادراتنا إليها ، وربما من الصعب جدا تعديل الميزان التجاري ولو بنسبة معينة من دون مساهمة اليابان في تصنيع وتطوير السلع التي يمكننا تصديرها إليها ، ونحن في الواقع بحاجة إلى إستثماراتها المناسبة في بلدنا ، وهم من جانبهم أبدوا استعدادهم لزيادة حجم تلك الاستثمارات .
الميزة التنافسية لبلدنا تعرفها اليابان ، ويعرفها المستثمرون ، ولكننا في المقابل نعرف أن تلك الميزة لا قيمة لها من دون توفير آلية مؤسسية وبشرية لتفعيلها وتحويلها إلى حيوية اقتصادية ، ونحن نعرف جيدا أننا لم نوفر بعد الأجواء المناسبة لاستقطاب المستثمرين ، مثلما نعرف أن سوء الإجراءات والأطماع الفردية قد أضاعت الكثير من الفرص الإستثمارية ، سواء تلك التي كانت بين أيدينا ، أو تلك التي دفعناها إلى الخلف من الخطوة الأولى !.
يريد جلالة الملك أن يستثمر المكانة التي يحظى بها الأردن على المستوى الدولي ، والقيمة الحقيقية التي يمثلها في هذه المنطقة من العالم ولكن هل تدرك المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص الأردني أهمية وحجم هذا الرصيد الكبير ليعملا معا على المتابعة وخلق المبادرات الذكية ، وإطلاق المشروعات الإستثمارية الجاذبة ، ورسم إستراتيجية متكاملة ، ووضع خطط مدروسة للدخول من الأبواب الواسعة التي يفتحها جلالة الملك في اليابان وغيرها من الدول الكبرى ؟.
هذا ليس سؤالا تهكميا ، إنه سؤال مشروع لم تتم الإجابة عليه منذ فترة طويلة ، والأخطر من ذلك اننا لا نعرف لمن نوجهه ، ذلك أن المنظومة الاقتصادية كلها مسؤولة ومعنية بالرد ليس بالقول ولكن بالفعل ، وبالتحرك العاجل ، فلم يعد ممكنا هذا البرود أمام تلك الحرارة التي نلمسها في رغبة دول صديقة تحرص على دعمنا ومساندتنا للتغلب على أزمتنا الإقتصادية ، كما أنه من غير المعقول ألا نرى فرصا متاحة على مرمى نظرنا ، ونبقى نكرر ونعيد الكلام نفسه ، والمبررات الواهية ذاتها ، لأننا غير مستعدين لإعادة النظر في طريقة تعاملنا مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، ونتعامل بنظرة الريبة والشك مع الاستثمارات المحلية والأجنبية !.
نحن بالفعل بحاجة إلى ممر نخرج منه ، ونتائج محادثات جلالة الملك في اليابان يجب أن تدرس بطريقة مختلفة عما اعتدنا عليه !.