نحتج ولكن !
عودة الاحتجاجات إلى الدوار الرابع ، والاعتصامات هنا وهناك ، هي إفراز متوقع لمعاناة الأردنيين من الأزمة الاقتصادية ، ومن الإجراءات التي تتخذها الحكومة ، والتي يبدو أنها تستهدف وضع حد للتراجع الاقتصادي أكثر من كونها إجراءات من شأنها معالجة الأزمة التي ما تزالمرتبطة بالوضع الإقليمي المضطرب ، ومشاريع التسوية المبهمة !
رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز لديه مشروع طموح يهدف إلى تحقيق انطلاقة جديدة للأداء الحكومي ، ومعالجة الاختلالات التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية الاجتماعية ، ومنها ما يتعلق بفشل سياسات سابقة ، وغياب إستراتيجية وطنية ثابتة تمنع الوقوع في الأخطاء ، وتصون المؤسسات من وجهات النظر الشخصية والقرارات الفردية ، لكن ذلك المشروع يحتاج إلى وقت أطول بكثير من احتمال الناس للوضع الراهن .
لا يمكن إنكار المعاناة التي يشعر بها السواد الأعظم من الأردنيين ، وبعض مظاهر تلك المعاناة نلمسها بالمزاج العام ، فحتى أولئك الذين يتمتعون بمداخيل كافية لتلبية متطلبات الحياة يشعرون بالقلق الشديد من انسداد الآفاق أمام مشروع نهضوي وطني تشارك جميع القوى السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية في صياغته ، وتحمل مسؤوليات السير به إلى الأمام ضمن مراحل زمنية محددة !
نعم نحن جميعا نعاني ، ونحن كذلك نعرف أن بلدنا الأردنقد تحمل فوق طاقته بسبب الأزمات الإقليمية ، واختلال التوازنات في المنطقة والعالم ، ولكن من غير المعقول أن نتصور بأن أزمتنا الاقتصادية هي الأزمة الأكثر خطورة علينا ، فالوعي السياسي والوطني الأردني أذكى بكثير من أن يهمل التحدي الأكبر الذي يواجهه بلدنا ، في ضوء المشاريع التي تستهدف المنطقة ، بما في ذلك تصفية القضية الفلسطينية التي يعتبر الأردن أكثر البلدان العربية ارتباطا بها .
الأردن اليوم أمام اختبارات صعبة، ولعبة التوازنات والتحالفات في المنطقة تفرض عليه التمسك بعناصر قوته ، تلك القوة التي لا تقاس بوضعه الاقتصادي وإنما بتحالفه الوطني ، وتماسكه الداخلي ، وهناك ثمة من يحاول إخراجه من المعادلة من خلال تشويه صورته ، واستغلال الوضع الاقتصادي والمزاج السيء والاحتجاجات على أنها دليل يثبت وجهة نظره ، ولذلك لا بأس أن نحتج ، ولكن لا ننسى أن نتضامن في مواجهة التحدي الأكبر والأخطر !