القانون المسحوب !
استجابت الحكومة لطلب رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة فسحبت القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية ، ووزيرة الإعلام والاتصال السيدة جمانة غنيمات أوضحت في بيان صحفي أن القرار يأتي تجاوبا مع ما طالب به ممثلو مختلف القطاعات والفعاليات الشعبية والنقابية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني أثناء اللقاءات التي جمعتهم برئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز .
كل هؤلاء الذين ذكرتهم الوزيرة يمكن تسميتهم بالشركاء الذين يفترض أن تتم مشاورتهم عند صياغة تعديلات القانون المعدل ، لو أننا نطبق الحد الأدنى من الحوكمة ، التي تعتبر التشاركية في اتخاذ القرار أحد أهم عناصرها التي تكتمل حلقاتها بالشفافية والمساءلة ، ولكن ما حصل الآن هو الاستجابة لضغطها ، وضغط مجلس النواب بشأن القانون المسحوب !.
كلنا يعرف مخاطر الجرائم الإلكترونية في عصر الاتصالات وثورة المعلومات ، وكلنا يدرك كيف استخدمت التنظيمات الإرهابية الانترنت في التنظيم والتخطيط وشن الأعمال الإرهابية مثلما ندرك استخدام الشبكة من قبل جهات مشبوهة لتدمير مجتمعات بأكملها ، ناهيك عن الانتهاك والابتزاز واغتيال الشخصية وتشويه وتزييف الحقائق ، فمن الطبيعي والمنطقي أن تتخذ الحكومات الاجراءات التي تصون الدول والأفراد والجماعات من التطبيقات والممارسات الشريرة .
لكن ذلك لا يعني عدم الأخذ في الاعتبار نص وروح بنود وفقرات الدستور الذي يعلو على جميع القوانين ، والتي لا تكتسب دستوريتها إذا تعارضت معه في الشكل أو المضمون ، ولا يجوز كذلك التحايل على الدستور ، أو تناسي القوانين الأخرى التي تعالج جوانب قانونية أو عقابية ، فالأصل أن تكون القوانين منسجمة مع بعضها لتحقيق المصالح العليا للدولة .
أعود مرة أخرى للحوكمة أو الحاكمية الرشيدة لأقول إنها الكفيلة بضمان مصداقية الحكومات والمؤسسات ، سواء في العمليات أو المخرجات ، وتحول دون شيوع حالات اللامسؤولية ، وعدم الالتزام العملي ، أو الأخلاقي ، أو المهني في ظل ضياع كامل للحقوق والالتزامات ، ومن شأنها أيضا أن تزيل الغموض والشك والخوف والقلق ، وتزيد من وضوح الرؤية ، وتحل التآلف والتضامن محل التمرد والعصيات والغضب .
الحوكمة ليست عصية على التطبيق ، كل ما تحتاجه هو الإرادة والقناعة بأنها بداية الطريق لأي حكومة تعمل على الإصلاح الشامل ، لأنها تشكل الأساس القوي لعمل وفاعلية مؤسسات الدولة العامة والخاصة ، بناء على منظومة متكاملة من التشريعات والقوانين والأنظمة والعمل المؤسسي ، والسلوك الوظيفي والمهني والأخلاقي المنضبط والمنتج معا !.