مملكة أردنية وهاشمية أيضًا
مملكة هاشمية أم مملكة أردنية هاشمية..؟ هذا السؤال استدعاه جلالة الملك امس الاول لدى لقائة عددا من الشخصيات الامنية والعسكرية، في اطار التحذير من حالة التشكيك، وتصاعد اعداد المشككين الذين يحاولون وضع المجتمع تحت وطأة الاحساس بالخوف من القادم، وتشتيت انتباه الناس وتفتيت صفوفهم، وسواء اكان ذلك بقصد او بدون قصد، فان النتيجة - كما قال الملك - واحدة، وهي : خدمة العدو الذي يتربص على حدودنا، واضعاف الدولة، والعبث بالنواميس الوطنية.
إجابة الملك كانت واضحة بما يكفي لاعادة ساعتنا الوطنية الى حركتها الطبيعية، ليس فقط باتجاه التاريخ حيث دور «الهاشميين» في الدفاع عن فلسطين والحفاظ على مقدساتها الاسلامية والمسيحية، حيث «القدس ومستقبل فلسطين خط أحمر بالنسبة للأردن» وحيث «كلا» للوطن البديل وللتوطين ولكل ما يمس الاردن وجودا وحضورا، وحيث لا يمكن للهاشميين ان يتنازلوا عن مبادئهم تجاه القضية الفلسطينية، وانما ايضا باتجاه «المملكة الاردنية» التي تشكل الرئة الاخرى لفلسطين، والتي لا تزال شواهد التصاقها بفلسطين منتصبة في ذاكرة كل الاردنيين الذين ضحى اباؤهم واجدادهم بدمائهم على اسوارها، ولا تزال اضرحة شهدائهم هناك مآذن تصدح صباحا ومساء و تذكرهم بالوطن السليب.
لا تعليق لدي على الحالة التي يريد البعض ان يوصلنا اليها في مرحلة مزدحمة بالتحديات المصيرية، يكفي ان اقول لهؤلاء : « عيب»، فاي محاولة خبيثة هذه التي تستهدف زراعة الفتنة داخل وطننا، واي اصوات ناشزة هذه التي تريد ان تشق «جسد» الارني النبيل الى قسمين بذريعة الحفاظ عليه او أخذ ما لها من نصيب فيه.
الاردن، الوطن، الذي التحم فيه الاردنيون مع قيادتهم الهاشمية لا يمكن ان يختزل في «زاوية» مهما كان اسمها، ولا يحتاج الى مساحات جديدة من الاراضي لكي يصبح في عيون الاردنيين اجمل واقوى، ولا الى سكان جدد حتى تتحرك فيه انفاس الامبراطورية، ولا الى نفوذ مصطنع حتى يثير اعجاب القادمين اليه وحقائبهم ما زالت بأيديهم او احترام «المتفرجين « عليه من الشبابيك، الاردن الذي بناه الاردنيون بتعبهم وصبرهم وفقرهم، اكبر واجمل واقوى من الطموحات الزائفة، ومن المزايدات المغشوشة، ومن «كذبة» المكونات ذات الجينات الذكية والمبدعة، وكأن الاردنيين - حاشا - مجرد مجاميع من الكسالى وقليلي الحيلة، وهم بالتالي بحاجة لمن يفكر بالنيابة عنهم، او لمن يعلمهم القراءة والكتابة، او لمن يبني لهم بلدهم ويوقظهم من سباتهم ويدلهم على طريق العمل والابداع والصواب.
اسوأ ما يمكن ان يتصوره الاردني، اي اردني مخلص، هو ان يتحول الوطن الاردني الهاشمي - تحت رغبة الذين لا يرونه الا في اطار شكوك الجغرافيا والديمواغرافيا - الى « مكونات» تتصارع على المصالح، والى حارات تبحث عن حصصها في الكعكة، والى اوطان بديلة ليست اكثر من اسواق او شركات او بازارات للمفاضلة والمناكفة والمتاجرة.
يريد البعض ان يشطب الاردن التاريخ لكي يستبدله بالاردن الجغرافيا والاردن « المكونات «، ويريد آخرون ان يتحرر الاردنيون الاصيل من «طينتة « التي خرج منها لكي يصبح «هجينا « او مجرد رقم في تعداد سكاني، ويريد طرف ثالث ان نشعر بأننا مجرد «اقلية» تتقاسم مع غيرها من الاقليات ما قدّر لها من نصيب.
الان، حان الوقت لكي يصرخ الاردنيون من اعماق قلوبهم : نحن موجودون في التاريخ وفي الجغرافيا ، نريد ان نحافظ على وطن ليس لنا غيره، نريد ان نتقدم الى «المملكة الاردنية الهاشمية « بقيمها ومبادئها العربية والاسلامية، لنبني وطنا يجمع ولا يفرق، وطنا غير قابل للقسمة على احد، اي احد.