تجليد كتب
تلك الذكريات العالقه في ذاكرتي منذ الابتدائيه،لم أكن أعرف أنها دروسا مجانية من الحياة،دروسا لم ينتبه أهلنا لتعليمنا إياها ظنا منهم أننا سنبقى في عالم صغير بعيد عن التعقيدات،عالم البساطه وحسن النيه،بوجه واحد يرتديه الكل وبمستوى معيشي واحد دون تباين وتمايز.
هذه القرية التي كانت صغيره كانت تحمل بداخلها تناقضات متعدده ويخفي الشخص وجهه بأقنعة تتماهى حسب مستواه الاقتصادي والاجتماعي وتصنف البشر طبقات رغم أننا كلنا من آدم.
بالابتدائية كانت تختلط أقنعة الطلبة بتجاليد الكتب والدفاتر،تجاليد زاهيه ملونه لامعه للكتب الجديدة الذين ينتمون لاعتبارات تصنيفية مختلفة ك /بنت المديرة/ أو /الأولى ع الصف/، يتبعها تجاليد بنية اكتشفت فيما بعد أنها تفرز أهم طبقة في المجتمع والتي تحقق التوازن فيه وهي الطبقة الوسطى لكن حتى الطبقة الوسطى هذه فيها تقسيمات حسب الاضافات على الكتب من ملصقات وطابعات ونوع الخط الذي يكتب بها الاسم ونوع حبره سائل أم جاف، يتلوها ممن كانو يجلدون كتبهم بالجرائد وهم ممن يصنفون بالأقل حظا في العلامات والأرصدة الاقتصادية الخاوية.
لم نكن نعرف صغارا كل هذه التصنيفات والتعقيدات التي فيها لكنها تصنيفات حقيقية لا زيف فيها ولا خداع،عجزت مدارسنا وقتها على أن تعلمنا ذلك ، وقد كانت الأيام كفيلة بأن تجعلنا نعيش ذلك ويحرم التصريح به بصوت مرتفع.
لكل منا نوع تجليد يجلد به كتبه ويخبئ تحته شكل الكتاب الذي ورثه وتسلمه ولم يكن له أي قرار به، فأصحاب التجليد اللامع هم من الرهط الذين لا يرجمون،وأصحاب التجليد البني هم ممن يستترون,،وأصحاب تجاليد الجرائد ممن لا يورثون .