في ذكرى معركة الكرامة
في تاريخ وطننا الأبيّ أيّامٌ خالدات تزيّن مسيرته كاللآلئ، وتشعّ بالآمال لتنير طريق أجيالنا القادمة، وتعزّز في نفوسنا ينابيع الثقة بالقدرة الوطنية، وتحفزنا على الانتماء الصادق لشعبنا وأمّتنا.
وهذه الأيّام الخالدة، والشواهد العظيمة، صنعها رجالٌ كبار تُطاولُ قاماتهم عنانَ السماء.. رجالٌ مِنْ أبناء هذا الوطن مشبعون بالعزّة والكرامة والقناعة، وموقنون بأنَّ التاريخ يُكتَبُ بمداد الصدق والإخلاص والوفاء والبذل والعطاء للشعب والوطن. وهذا هو سرّ البطولة، ومغزاها العظيم، ومعناها العميق.
واليوم، إذ يُصادف يومَ الكرامة المجيد، تتزاحم الكلمات على شفاهنا، وتجيش العواطف والأحاسيس في صدورنا، ليخرج مِنْ دواخلنا كلُّ ما يعبِّر عن معاني الكرامة والعزّة الوطنيّة والانتماء العروبيّ الصادق والمخلص، وتشمخ رؤوسنا بوطننا وفيه، وتخترق أبصارنا وبصائرنا ضباب الأفق لترى الغد المشرق البهيّ.. غدَ الحريّة والديمقراطيّة والتحرّر الوطنيّ والعدالة الاجتماعيّة وعلوّ قيمة الإنسان.. الإنسان في بلدنا الصغير العزيز وفي سائر أرجاء وطننا العربيّ الكبير.
في ذكرى معركة الكرامة نستذكر البطولات التي سطَّرها الشهداء من أبناء قواتنا المسلحة الباسلة بدمائهم لتكون صفحات مضيئة في سفر تاريخنا الوطنيّ، ونفتخر بها، ونسترشد في سعينا لأنْ يكون وطننا حرّاً دائماً ومنيعاً وكريماً.
ونعود بذاكرتنا إلى صبيحة ذلك اليوم الأغرّ، يوم الكرامة، عندما هاجم العدوّ الصهيونيّ الغاشم بلدنا، فسطَّر جيشنا العربيّ الأردنيّ أروع ملاحم البطولة والفداء في الذود عن الوطن وصون أرضه وإنسانه. وعلينا اليوم، وفي كلّ الأيام، أن لا ننسى بطولات جنود جيشنا وضبّاطه، بل علينا أنْ نستذكرها بكلّ معاني الفخر والإجلال والاعتزاز.. سواء أكانت في الكرامة، أم في باب الواد، أم على أسوار القدس الشريف، أم في الجولان، وفي كل معارك الأمة العادلة.
وإنَّ هذا الجيش المقدام، الذي خاض كلَّ تلك المعارك المجيدة ببسالة وبطولة، لا يزال – كما كان دائماً – على العهد، وفي أتمّ جاهزيّته واستعداداته، للقتال وتقديم التضحيات الضروريّة على كلّ جبهات المواجهة.. دفاعاً عن الوطن والشعب والأمّة. وما انتشار قطاعات هذا الجيش الباسل اليوم وتموضعها على مداخل مدننا ومخارجها وفي الشوارع المختلفة لحماية الناس في بلادنا من الوباء الذي غزانا شأننا شأن غيرنا في هذا العالم، إلا أكبر مثال على وقفات التضحية والعزّ والكرامة التي دأب عليها جيشنا العربيّ الأردنيّ الأبيّ.
وذكرى الكرامة، التي تصادف اليوم، إنَّما هي مناسبة ثمينة للاعتراف بأنَّ الجيش العربيّ، هذه المؤسسة الوطنيّة الرائدة، إنَّما هو سياج الوطن، ودرعه الواقي، وضمانة أمنه واستقلاله، وهو طليعة من طلائع التحرير والدفاع عن الكرامة العربية. وإنَّ تعزيز قوّته وقدرته، وتطوير معدّاته ووسائله وأساليبه، لهي ضرورة وطنية وواجب تقتضيه صعوبة المرحلة وكيد الكائدين وخصوصاً العدو الصهيوني الذي لا يزال يعتبر صراعه مع الأمة صراع وجود وليس صراع حدود.
حمى الله الأردن وشعب الأردن، ونصر أمّتنا العربيّة.