الجندي الإنسان
يعترف كثير من الناس أن أعينهم أضحت تلتقط مشاهد الطبيعة والأبنية والفضاءات والظلال من حولهم على إثر جائحة الكورونا بعد أن اضطروا للبقاء في منازلهم خلال فترة منع التجول الشامل الذي استمر لمدة ثلاثة اسابيع، وبعده منع التجول الجزئي، واستمرار البعض بالبقاء في بيوتهم طوعا أو تحوطا.
يقول أحد الأصدقاء لقد اكتشفت على مقربة من منزلي أشجارا وورودا ونباتات لم تلتقطها عيني من قبل، فقد كان تركيزي لسنوات طويلة على خطواتي تجاه السيارة المصطفة على الرصيف، لا أنظر يمنة ولا يسارا، كما هي عادتنا في غض النظر عن محيط الجيران وخصوصياتهم، مع أن المحيط الخارجي للمنازل هو محيط للمكان كله!.
هناك نوع آخر من الجمال ربما هو بحاجة إلى نظرة أكثر عمقا قبل أن ندركه، فقد تسنى لي مشاهدة نشامى قواتنا المسلحة الأردنية – الجيش العربي – التي تم نشر وحدات منها على مداخل المدن والمحافظات ومخارجها لمنع انتشار الوباء، وفقا للخطة التي تم اعتمادها، وشاركت في تنفيذها الأجهزة الأمنية، والوزارات والمؤسسات المعنية، وفي مقدمتها وزارة الصحة، وجميع المؤسسات الطبية التابعة لها، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الطبية والدوائية من القطاع الخاص.
صورة الجيش في أذهاننا مرسومة بألوان العلم ورمزياتها، وعلى قدر محبتنا واعتزازنا وفخرنا بقواتنا المسلحة وكل ما فيها من الشموخ والعلو، كأنها الجبل الأشم، فقد لمسنا روحها الإنسانية المرهفة وهي تمارس بحزم تطبيق الأوامر والتعليمات وكأنها السهل الممتد في المدى يتلاقى فيه بأسها ورقتها على مساحة الحب والسكينة والأمان ، لينتصر الأردن في حربه على الوباء.
بعض ما تلتقطه العين قد يتلاشى في زحمة الحياة بعد العودة التدريجية إليها، ولكن ما تلتقطه البصيرة، ويلتقطه القلب والوجدان لا ينمحي أبدا، مهما طال الزمن، وأنا منذ تلك الأيام التي شاهدت فيها جلالة الملك عبدالله الثاني وهو يتفقد أحوال الناس، ويزور وحدات الجيش والأمن العام، ويتبادل الحديث معهم، ويتناول معهم طعام الإفطار في شهر رمضان المبارك، ومنذ أن شاهدت صورة رئيس هيئة الأركان اللواء الركن الطيار يوسف الحنيطي، ومدير الأمن العام اللواء الركن حسين الحواتمة يجلسان على أحد الأرصفة يراجعان معا تقريرا عن سير العمل، وانا أحاول فهم معادلة السهل والجبل، كي أزداد يقينا بأن علاقة ومحبة واعتزاز الأردنيين بجيشهم وأجهزتهم الأمنية ليس لها مثيل في أي مكان آخر.
الشيء الجديد الذي أفعله، ولم يكن يخطر على بالي أن أفعله من قبل، هو أنني ألوح بيدي لكل من أجده في طريقي من النشامى، وأتعمد أن يراني، على أمل أن يلمس روحي المفعمة بذلك الحب الذي يملأ قلب الآباء للأبناء ، فسلام على الجيش وقائده وعلى الأمهات اللواتي أعطين لهذا البلد، دون غيره " الجندي الإنسان " .