العيسوي بين الدبلوماسية والعسكرية
على عتبات الثمانين ربيعا، قد بلغ معالي يوسف العيسوي ,ومع ذلك تراه يتمتع بروح الشباب، التي تتجلى بجمال عباراته وعمق أفكاره، فضلا عن وفائه لوطنه الذي يسكن عقله وقلبه، فغدا أنموذجا للمسؤول المنجز والمتفاني في خدمته. إنه نموذج للمواطن الوفي الذي أسكن الوطن وأبناءه في أعماق قلبه ووجدانه، وكان للبيئة العسكرية الوطنية التي نشأ فيها دور أساسي وفعال في تكوين شخصيته الفذة، وقد منحته الخدمة العسكرية سمات ومعاني عظيمة وجليلة، وغرستْ في شخصيته صفات ، لا يمكن لاي بيئة اخرى ان تفعل ذلك، فجعلت له منهجا واضحاً يسير على أساسه.
كثير من معارفه يدركون جيدا الدوافع الكامنة في شخصيتهِ العسكرية المنضبطة، والتي جُبلت على حب تراب الوطن، كغيره من جنود الوطن المخلصين، حيث تمازج ذلك في روحه ووجدانه، كأردني عاصر الحروب التي خاضها الجيش العربي، وكل الذين يعرفونه جيدا يؤكدون انه لم تسجيل ولو مخالفة واحدة عليه طيلة خدمته العسكرية التي كان آخرها رتبة عقيد، ثمّ انتقل بعد ذلك ابو الحسن الى الديوان الملكي في بداية العقد التاسع من القرن الماضي، محققاً نجاحا وظيفيا لا نظير له، فقد كان متفوقَ الأداء عندما كان جنديا في صفوف الجيش العربي الباسل، وعندما أصبح موظفا في الديوان الملكي العامر ، وفي كل المناصب التي تقلدها، كملحق عسكري دبلوماسي في دمشق، ولبنان في الستينيات من القرن المنصرم، كانت سيرته تتسمُ بالابداع، وعرف عنه بقدرته على بث التفاؤل والامل مع جميع من عمل معه، سواء مع رفاق السلاح بالقوات المسلحة، أو في الديوان الملكي الهاشمي، لما تمتع ويتمتع به من قدرات ابداعية في الإدارة واحترام الذات والاخرين، ولما يمتلكه من ثقة بالنفس، وحبٍ وتفانٍ ، ووفاءٍ لعمله، وقدرةٍ على التحمل والصبر في اصعب الاوقات وأكثرها حرجاً.
ويشهد لمعالي ابو حسن القاصي والداني، عندما تسلم امينا عاما للديوان الملكي في عام 2003، بقدراته الابداعية الخلاقة في ادارة اعمال الديوان، وبقدراته الخلاقة على ضبط النفس، والتاثير بكل الذين عملوا معه، وانجاز عمله بدقة واتقان، وانضباط وتوازن وحماس لامثيل له، فضلا عن مرونته في العمل وبترتيب اولوياته.
وقد التقيت بهذا الرجل الحليم عن قرب، اربع مرات، وقد لمست في كل مرة بعض ملامح شخصيته الجميلة اللبقة التي تميل الى خفة الظلّ، والقدرة على انتقاء الكلمات عندما يتبادلها مع الآخرين، ناهيك عن أدبه الجَم وتواضعه وهو يشرح وجهات نظره بصورة واضحة ومقنعة.
وقد اكتسب هذه المهارات في التعامل من خلال خبراته الواسعة، وتجاربه العميقة في العمل العام، ويتصفُ معالي يوسف العيسوي كذلك بأسلوب هادئ ومتزنٍ في ادارة الحوار، مما يجعل كل من يحاوره يميل الى القبول بما يقول، لتميّز شخصيته بطابع الرزانة ، والانفتاح، والاستقلال في الذهني الذي يساعده بشكل كبير على التفكير الاستشرافي التأملي، والثبات في اتخاذ القرارات دون تردد.
نعم لقد مكنته خبراته العملية التي اكتسبها في الجيش، وعمله كملحق عسكري في دمشق وبيروت لعقد من الزمان وفي مرحلة دقيقة وحساسة في الستينات، ليكون ذا شخصية تتصف بالكفاءة الاجتماعية والادارية العالية، ليصبح في عام 2006 مستشارا في الديوان الملكي برتبة وراتب وزير، واستحق هذا المنصب عن جدارة لما لديه من قدرة كبيرة في التكيف الاجتماعي، ولما اكتسبه من معارف سياسية، وعلوم عسكرية راقية من البيئة التي عاش فيها في سوريا ولبنان، حيث كوّن علاقات اجتماعية ناجحة جدا، يضاف الى ذلك ما يتميز يتميز به من قدرات عقلية مرنة، تستند الى الذكاء الاجتماعي، بعيدا عن الانغلاق والتصلب والتعامل الفظ مع الاخرين، لذلك فقد تم تكريمه، تقديراً لجهوده ونشاطاته، بمنحه العديد من الأوسمة الأردنية والعربية والأجنبية منها: وسام الأرز الوطني اللبناني بدرجة الفارس، عام 1968، ووسام السلامة العُماني عام 1980.
وكل من تعامل معه، وعرفه عن كثب، يجد أنه كرس حياته لخدمة العرش الهاشمي بتفانٍ، واخلاص ووفاء، واستطاع ان يغير مفهوم المواطن العادي تجاه الديوان الملكي ورئيس الديوان بانْ جعلهُ الأقرب الى نبض المواطن، يستمع لما يقوله بكل تواضع وادب. لمعالي أبي الحسن كاريزما لا يتمتع بها كثير من المسؤولين، وتتمثل في الليونة والاعتدال، والكفاءة الاجتماعية.
وتتميز سيرته بالقدرة على الولوج إلى قلوب الأردنيين، وفي ان يجعل الديوان الملكي قبلتهم اذا ضاقت بهم السبل، فهو قريب منهم بنبله وروعة تعامله معهم منذ أن أصبح رئيساً للديوان الملكي، مخاطباً أبناء وطنه بلغة الأب والأخ والصديق، فمن تربى في اكناف بني هاشم لا بد ان يكون متواضعا حليما، وكان نتيجة ذلك أن وقع عليه الاختيار ليكون رئيس لجنة متابعة تنفيذ مبادرات جلالة الملك، واعيد تعيينه امينا عاما للديوان الملكي في عام 2011 .
لقد تمكن معالي (أبو الحسن) أن يجعل قلوب الناس تزيد محبةً وقرباً من الديوان الملكي، واستطاع أن يحوّل حلم المواطن إلى حقيقة وواقع لما يمتلكه من سمات شخصية قل مثيلها.
وبعد آخر لقاء لي مع هذه الشخصية العامة الفذة قبل ايام، لم اعجب كيف استطاع ان يرسم صورة ذهنية مشرقة عن الديوان الملكي من خلال مَعينهِ التربوي المتدفق، ومهاراته وقدراته الشخصية الحكيمة، فجعل الديوان الملكي العامر أكثر قرباً من قلوب الاردنيين، وجعلهم يزدادون شعوراً بالراحة والرضا والاطمئنان، وان يقربهم منه بصفاته المتواضعة، وبثباته، وتسامحه وتوازنه، وعدالته، مما يحقق علاقات دافئة، مبنية على الثقة والشفافية والوضوح، لذا جاء تكريمه من جلالة الملك بان تم تعيينه رئيسا للديوان الملكي عام 2018.
لقد مرّ ثماني وسبعون سنةً في مسيرة العيسوي، تكللت بالنبل والطهر، والنجاح الباهر، وأصبح شخصيةً وطنية اردنية لم يسجل أحدٌ عليها اي ملاحظة الا الاستقامة، ويقظة الضمير، والالتزام، والعمل الشاق والجهد المتواصل لتحقيق الانجازات بهدوء وروية واتزان، ولم يغيّر بعض الاشاعات المغرضة صورته لدى الناس، التي حاول بعض المغرضين أن ينالوا منها.
لعل السمات القيادية للشخصية التي تمتع بها معالي يوسف العيسوي هي التي جاءت بهِ ليتقلد منصباً من أهم المناصب في الدولة الاردنية، وهو منصبٌ يُؤهلهُ للتفاعل مع الشعب الاردني الذي يعتبر الديوان الملكي قبلته في مختلف مجالات الحياة. وهو الموقع الذي يجعل من رئيسه حلقة وصل بين جميع المواطنيين الذين ينحدرون من مختلف المنابت والأصول والأطياف السياسية والثقافية والاجتماعية، لذا لا بد وان يكون رئيس الديوان الملكي متمتعاً بخصائص وقدرات وامكانات شخصية تتجسد بالتسامح والتواضع لضمان علاقات انسانية ناجحة تضمن تحقيق الرضا والقبول وتحقق الانسجام، والمودة والمحبة وتعزز قيم الولاء للديوان الملكي من قبل ابناء الوطن .
لذلك كان لا بدّ وأن يحتل هذا الموقع شخصية قوية تتصف بصفات رجل الدولة المنصف، الذي يضع مخافة الله بين عينيه، ويقوم بسد الفجوة بينه وبين المواطنيين، ولا يتعامل معهم بفوقية، بل على اساس انه خادم أمينٌ لهم، وهذا هو النهج الذي التزم به معالي العيسوي، والذي اكتسبه في المدارس العسكرية التي هي اهم المؤسسات التي نشأ فيها. واستطاع بذلك أن يرضي الناس ويشبع احتياجاتهم عندما يفدون إلى الديوان الملكي.
لقد برهن معاليه أن لديه المهارة والتفوق في مخاطبة الناس حسب ثقافتهم ومعرفتهم، حيث يشعر كل مواطن يراجعه بأن له اهمية وقيمة اجتماعية.
نعم هذا ما قد عرفته عن هذه الشخصية العامة التي تستند الى المبدأ الذي يؤكد على أنْ تُعامل الناس كما تحب ان يعاملوك مهما كان منصبك الإداري عالياً ورفيعاً.
لقد نجح معالي يوسف العيسوي، صاحب الخبرة الطويلة منذ بداية الخمسينات حتى اليوم في ان يطبع صورة طيبة في أذهان المواطنين الأردنيين عن الديوان الملكي ليصبح ملجأ كل صاحب هم، ولكل من توصد أمامه الأبواب. لقد فاز معاليه لأنه تفوق بالقدرة على حسن التواصل والتفاعل مع الناس. تغلق او تضيق في وجهه الطرق والسبل، بما يمتلكه من مهارات التواصل مع الناس، وتمكن بذلك أن يحصد ثمار ما غرس من بذور الرضا والمحبة من قبل كل من يأتي إلى الديوان الملكي من اصحاب الحاجات والقضايا والمسائل الاجتماعية، خلال تعامله الانساني الراقي بكل شفافية ووضوح.