بارود ... يوك

هوا الأردن -
(1)
الخليفة المنصور كان أول من اعترف بالمنجمين رسميا، وجعل لهم رواتب من بيت المال، ووضعهم ضمن كادر موظفي الدولة. منذ ذلك اليوم العتيق والمنجمون يشكلون جزءا من الدولة العربية حتى وان اختلفت مسمياتهم وتسمياتهم.
تعرض المنجمون لنكسة تاريخية (على ذمة ابو تمام) حينما أوصوا الخليفة المعتصم بالتريث حتى ينضج التين والعنب من اجل طرد الروم من عمورية.... أي أنهم أوصوا بفتحها في فصل الصيف، لكن المعتصم لم يصبر، وسير الجيش إليها واحتلها، رغم تنبؤات المنجمين بفشل الحملة. هكذا يقول ابو تمام حيث بنى على القصة ديماغوجيا عصبوية عروبية عالية الوطيس أشغلت العرب بالتفاخر والتلمظ بالقصيدة المشهورة بينما كان المعتصم يسلم الدولة العربية بقضها وقضيضها لأخواله الأتراك السلاجقة.
لكن المعتصم رغم ذلك أبقى على المنجمين أولئك كجزء من تركيبة الدولة العربية، وما يزالون حتى الآن كما أسلفنا، وان كنا نسمي المنجم اليوم أحيانا بالمحلل السياسي وطورا بالمستشار الاجتماعي أو الاقتصادي الذي يقدم تنبؤاته للمسؤولين حتى يتخذ الاجراءات المناسبة حسب ما تحكي النجوم التي تحولت اليوم الى ارقام ومعادلات واستبيانات تصل الى نتيجة معروفة سلفا أو يريدها المنجم الذي ارتبط منذ ايام المنصور بشكل سري بمراكز القوى التي سعت الى السيطرة على مركز القرار عن طريق منجم الخليفة وأحفاده وأحفاد أحفاد أحفاده.
كل ما يفعله المنجم العربي الجديد هو تمرير توجهات ومصالح مراكز القوى التي استخدمته سرا وعلنا، حيث يقوم بمحاباة الحاكم العربي والطبطبة على مشروعاته وأحلامه؛ ما أوصلنا في النهاية الى مجموعة دول عربية يقودها التنجيم على طريقة (عرافة الجوف )وعرافة الجوف هذه كانت كلما فشلت تنبؤاتها المعلنة تلوم النجوم وتسبها وتلعنها مدعية أن النجوم تعمدت الكذب عليها.
هكذا نحل بكل بساطة إشكاليات السياسة، التنمية والاقتصاد دون أي وازع ضمير أو محاسبة، فالحق دائما على النجوم!!
(2)
خلال قصف الأسطول الايطالي للمناطق العثمانية على الساحل اللبناني (1912) حيث إن المدفعية العثمانية لم ترد على النار بالمثل من تلك المنطقة؛ الامر الذي دعا القائد العسكري الى (جلب) المدفعجي المسؤول وسأله حول سبب عدم الرد على القصف الايطالي. فقال المدفعجي:
- اولا ... بارود يوك (يعني لا يوجد لدينا بارود)، ثانيا...!!
وقبل ان يسترسل المدفعجي في شرح ثانيا وثالثا وعاشرا أوقفه القائد العسكري عن الكلام وقال:
- ما دام بارود (يوك) ......ما فيه داعي للباقي!!
(3)
كان صديقنا وكبيرنا الذي علمنا سحر السخرية محمد طملية يعاني من ضجر دائم ، لم اكن افهم ذلك كثيرا ...فأنا لا اضجر حتى الان ، واستطيع ان اتعايش مع نفسي بشكل مناسب . الموضوع هو كيف يمكن انقاذ الناس من الضجر؟؟؟
إنقاذ الناس من الضجر هي أكبر تجارة في العصر الحديث ، من المخدرات إلى الكحول إلى التلفزيونات المنوعة إلى الانترنت الساونا، مصارعة الثيران الوسائل الميكانيكية الكيميائية لرفع سوية الفحولة .
الحروب .... هي محاولة وهمية لإنقاذ الناس من مغبة الضجر أيضا... كانت الحرب الأولى والحرب العالمية الثانية ، فلا تنتظروا الحرب العالمية الثالثة أبدا، فهي لن تأت، لأننا نعيشها ونحياها بشكل دائم سيدة تجار العالم،فقد شنت الحرب العالمية الدائمة على الجميع لمكافحة الضجر وتحريك التجارة العالمية بكافة المجالات( أسلحة – أكفان – دموع تماسيح-أدوات تساعد على الانتحار- عملاء – قصائد حزينة- جنازات لائقة، مياتم، مظاهرات ضد الحرب، وخلافه).
ghishan@gmail.com