الرجولة ودراسة الجدوى
سميح المعايطة
لو توقف أي باحث عن مواصفات الشخصيات الوطنية الاردنية التي مازالت عالقة في الذاكرة ، أو مازالت تمثل النموذج الذي يحب الأردني رؤيته في إدارة حكوماته وبناه الاجتماعية لوجد أن هذه الرموز لم تحظ بهذه المكانة لقدرات إدارية أو فنية بالدرجة الأولى بل لأنها امتلكت الفروسية والنبل وأنها قادرة على اتخاذ موقف من العيار الثقيل يخدم مصلحة الدولة.
وكانت الميزة أن هذه المواقف كانت متاحة لآخرين لكنهم أداروا ظهورهم لبلدهم ، ومارسوا التفكير في لحظات لا قيمة فيها للتفكير لأنه باتجاه واحد هو المصلحة الذاتية.
وبعيدا عن ذكرأي أسماء فان من يتغنى الأردنيون بأسمائهم ومواقفهم انحازوا دون تردد إلى الرجولة في أوقات كان لكل ساعة تضيع ثمن ، رجال عرفوا جيدا أن الشجاعة والكرم والفروسية لا تخضع لدراسات جدوى ، ولو فعل الشهداء والجرحى وأصحاب النخوة والكرم دراسات جدوى لما فعلوا لوجدناهم غير ما هم عليه اليوم ، لكن الشهيد قرر أن يكون خط دفاع عن وطنه ومات شهيدا ، وآخر قرر أن يعود للوراء خطوات فربما تجده ما زال بيننا أو غادر الدنيا بعد سنوات من المرض والجلطات الدماغية أو الزهايمر ... .
الفرسان وأهل الفروسية هم الذين صنعوا للأردن القدرة على الصمود في مراحل كان بعض المتفوقين فنيا ومهنيا يفكرون في خطابهم الجديد وديباجات أفكارهم في المراحل القادمة التي كانت تعني في تلك الأوقات دولة أخرى بكل مفاصلها.
النبلاء ورموز الفروسية ليسوا من فئة الخطاب المتعدد الهويات ، خطاب تسمعه وتسمع نقيضه باختلاف نوع الطعام وجمهور المستمعين ، والنبلاء ليسوا منشغلين بفساد وجمع ثروات ، لأنك لا يمكن أن تتوقع موقفا بثمن ممن تغيب القيم عن تعامله مع مقدرات الدولة ، والفرسان والرموز ليسوا ممن تتغير مكانة الدولة ومصالحها لديهم باختلاف لون لوحة السيارة التي تحملهم.
وللإنصاف فان هذه الفئة ممن يحملون مواصفات الفروسية والنبل والرمزية ليسوا فقط ممن فقدناهم برصاص أو متفجرات ، فهناك مساحة واسعة منهم لكن ربما لم يعرف الناس عمق صدقهم ورجولتهم ، وربما لان بعضهم أحياء أو ماتوا بطريقة طبيعية بلا أحداث سياسية.
للرجال نكهة ومضمون يميزهم ، أما أولئك الذين يكتسبون أحجامهم بحجم الإناء ، وألوانهم تتغير مثلما يغير أهل الفن ألوان ثيابهم حسب المشهد وما يكتبه مؤلف العمل ، فهؤلاء قد تذكرهم الكتب الرسمية أو نشرات الأخبار لكن سيعبرون سريعا من ذاكرة الناس وعقولهم وقلوبهم.
الأمر لا يخص بلدا دون آخر ، فلكل مجتمع فرسانه والنبلاء الذين انحازوا في ساعة العسرة بأنواعها واختاروا أن يكونوا ( في أول الخيل ) ، ولم يختبؤا حتى وان لحقهم رصاص غادر أو حقد حاقد ، أو اتهامات وألسنة وقلوب أوقف أحلامها الشيطانية فروسية هؤلاء.
Samih.m@alrai.com