إنصاف العشائر
لو هاجرت العشائر المهمّشة منذ القرون الماضية إلى آسيا أو الصومال لكان لهم مكانةُ واحترام وحقوق في تلك البلاد أفضل مما عليه الحال لها اليوم. أنهم إنهم يعيشون عيشة الغرباء في وطنهم، يعاملون كمواطنين من الدرجة الثالثة أو حتى الرابعة، ولم يعد لهم في الوطن مكان ولا كثير من كرامة العيش؛ فالحقوق في وطني لغيرهم أكثر مما هي، وفي كل يومٍ يتطلعون إلى الأفق لعله يأتي بشيءِ جديد، مشلولةٌ أقدامهم، مقيدةٌ أيديهم مخنوقةٌ أصواتهم، يقفون على فوهة بركانٍ ثائرٍ على وشك الانفجار. بالرغم أنهم لم يتوانوا يوماً عن تقديم الغالي والنفيس من التضحيات الجسام والشهداء الأشاوس دفاعاً عن ثرى الوطن وأهله، وبالرغم من سلامة أياديهم التي لم تتلوث بالفساد على مر السنين إلا أنهم نسوا أو تناسوا لهم تاريخهم المجيد جراء استحداث المنظومة الاجتماعية الظالمة، فباتوا يشحدون حقوقهم وجاء المتزحلقون ليمسكوا بزمام الأمور ويقرروا من يحق له ومن لا يحق له حيث أصبح أبناء الوطن خدم وحشم حرس على أبواب غير العارفين بتقاليدهم ومفاهيمهم وعاداتهم, مصالحهم التجارة والعلاقات و تحميهم قوانين خاصة، دُرست لتوطيد الحقوق المتساوية بين أبناء الشعب لإقصاء فئة وتقريب أخرى، لو هاجروا أو هُـجّروا لكان لهم شأنٌ آخر ولعرفوا قيمة أن يكون لهم وطن حبيب فيه العدالة الاجتماعية والمؤسسات الحقيقية الفاعلة ما يستحق العيش فيه. تجار الحروب تجار الأعضاء البشرية وتجار الدواء الفاسد خرجوا من تحت الأنقاض يقررون ما يشاءون في الزمن الذي نسوا فيه الذين وقفوا وقفةَ البطولةِ وحموا العرش الهاشمي حينما اجتمع عليه الأعداء من الداخل والخارج، وفي كل يوم كان ينزل علينا اسمٌ من النعيم ليبني لنا قصوراً من الجحيم في زمنِ تمردِ بعضِ القافزين من حصنٍ إلى حصنٍ ومن قانونٍ إلى قانونٍ. لم يشبع هؤلاء ونسوا عشائراً لها الولاء والانتماء والكثير من الشهداء ممن رووا تراب الأردن الحبيب وفلسطين الجريحة الدماء الطاهرة الزكية وما نالهم اليوم إلا الإقصاء والتهميش من جراء زُمرةٍ من مسؤولين أصابهم الصمم والعمى. ومنذ بزوغ التاريخ الحديث إلى يومنا هذا لم نسمع أن أحداً من أبناء العشائر المهمشة المكافحة والمنتمية لتراب هذا الوطن عُين في منصب عالٍ يستحق الذكر؛ كعينٍ في مجلس الأعيان أو سفيرٍ لسفارةٍ حتى لو كانت سفارة أوغندا أو الصومال أو حتى بورما !! كنا نسمع -ولا زلنا نسمع- أن جميعَ الأردنيين متساوون بالحقوق والواجبات، إلا أن بعض العشائر تعطي الواجبات ولا تأخذ الحقوق ! إذ أن هناك تمييزٌ عشائريٌ مبطنٌ، دفع أبناء العشائر المهمشة تلك ضريبةَ انتمائهم و ولائهم بإقصائهم وتهميشهم، وكان ذنبهم الوحيد انهم لم يكونوا يوماً بوقاً لأصحاب الجاه والرفعة. لم يعد في هذا البلد من منصفٍ لهذه العشائر المرابطة على تراب الوطن الغالي، قلوبهم وأعينهم فاضت بالولاء والانتماء وقدموا الأرواح رخيصةً في سبيل الله فداءً للوطن على مر السنين، وحملو أرقام وطنية -ويا ليتها حملتهم- كغيرهم من الشعب وتخرجوا من أعرق الجامعات العالمية وأشتهروا في المجالات؛ في الاقتصاد، وفي الطب والهندسة، وفي القانون والسياسة، منهم العلماء والأكاديميون وأصحاب السبق والتفوق العسكري والهامات السياسية والاجتماعية والأدبية والثقافية ولكن هل من منصف !