بين الفساد والنزاهة .. وبندقية للإيجار
بقلم : نضال منصور
استحوذت استقالة رئيس هيئة مفوضي المناطق التنموية والحرة مها الخطيب على السجال الإعلامي والسياسي الأسبوع الماضي، بين مؤيد للخطيب ورافضاًلما اعتبروه ضغوطاً مورست عليها لإجبارها على بيع أرض في البحر الميت لمصلحة نائب في البرلمان بأقل من سعرها، وبين من يعتقدون أن استقالةالخطيب "بروبجندا" والأساس خلافات لا علاقة لها بقضية بيع الأراضي في البحر الميت.
من المهم التوقف عند بعدين، الأول أن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت قادرة على الكشف عن قضايا الفساد في ذات اللحظة، ولم يعد من الممكنإخفاء الخلافات والأسرار سواء في أجهزة الدولة أو في أي مكان آخر، والبعد الثاني أن الإعلام أصبح يستخدم ويوظف أكثر من ذي قبل في معارك الخصوم،ويسعى كل طرف لتمرير المعلومات التي يرى أنها تخدمه وتضعف الآخر، وللأسف فإن بعض وسائل الإعلام لا تدقق فيما يمرر لها من معلومات، وتقبل أنتكون شريكاً في التضليل ونشر حقائق مفبركة، وأكثر من ذلك؛ فإن هناك من يرتضي أن يكون "بندقية للإيجار".
قراءة ما حدث في قصة استقالة الخطيب، ومعرفة الحقيقة في قضية بيع أرض البحر الميت للنائب المحترم، وموقف ودور الحكومة، لا يستقيم أبداً دونالتركيز على السياق الزمني للأحداث والتسلسل التاريخي لها.
وأحسنت جريدة الغد في عرضها للوقائع خلال مقابلة مع الخطيب حسب تدرجها الزمني، وملخص القضية أن الأرض التي تنوي شركة السنابل إنشاء فندقعليها عرضت للبيع أكثر من مرة، وفي كل مرة بسعر مختلف وفقاً لتعديلات الأسعار في تلك اللحظة، ولم يقم النائب وهو ـ الشريك الرئيسي في الشركة ـبإتمام صفقة الشراء، حتى السعر الذي يطالب به حالياً 75 ألف دينار للدونم عرض عليه في عام 2010 ولم يقبل بذلك، لعله يستطيع أن يأخذ الأرض بالأسعارالتي عرضت عليه قبل هذا التاريخ.
مربط الفرس في القضية أن الحكومة تريد تمرير الصفقة الآن بسعر غير عادل وغير مماثل لأسعار البيع، وخلافاً لتقديرات اللجنة المختصة بأن سعر الدونميقارب ربع مليون دينار، ولا يمكن تفسير هذا الأمر خارج لعبة المصالح بين الحكومة والبرلمان، وهي النقطة الأخطر سياسياً، فالتعامل الحكومي مع شركةالسنابل ليست باعتبارها مستثمر يتظلم من قرارات مجحفة فقط، بل تتعامل معها باعتبارها سلطة رقابية تحابيها على حساب المصلحة العامة والمال العام.
لم تتوقف الحكومة، ولا النائب، ولا حتى البرلمان عند المخالفة الدستورية التي لا تجيز لأعضاء مجلس النواب خلال عضويتهم أن تكون لهم مصلحة أو شراءمن الحكومة، ولم يعلق رئيس الحكومة عبدالله النسور على هذه الإشكالية، ولم نسمع مجلس النواب يريد التحقيق أو الإحالة للجنة السلوك، أو أن تحال للجنة النزاهة في البرلمان، لتقول الكلمة الفصل.
ما تبع استقالة الخطيب كان أسوأ، فأصبحت استقالتها مرتبطة بأن راتبها الجديد كرئيس هيئة مفوضين يقل عن راتبها التقاعدي، وكأنها حين عينها رئيسالحكومة لم تكن تعرف ذلك، وأيضاً التشكيك بأن سعيها إلى توسيع حدود المنطقة التنموية للبحر الميت مصلحة مرتبطة بمستثمرين.
تشويه السمعة للقيادات العليا في الدولة أصبح سلوكاً حين يكون لديهم رأياً أو يعارضون نهجاً أو موقفاً، وفي ذلك رسالة تأديب لمن يشغلون الوظائف العليا بأنعليهم السكوت والصمت حتى لا تلحقهم نار الاتهامات.
في قضية الاستثمارات في المناطق السياحية مثل البحر الميت والعقبة، هناك من يرى أن سياسة الدولة في بيع الأراضي غير مشجعة، ولا تبني استثماراتسياحية، وقد يكون ذلك صحيحاً.
ففي شرم الشيخ وحتى تونس، تعطى الأراضي تقريباً مجاناً مقابل التزام المستثمر بالإنجاز بشكل سريع جداً، وأن يشغل عمالة وطنية، وأنا ممن يؤيدون ذلكخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، شريطة أن يطبق ذلك على الجميع وبشفافية، وبمسطرة واحدة، وبعطاءات تنافسية تحكمها النزاهة.
والمشكلة فيما حدث أنهم يريدون "تفصيل" سعر خاص ومعاملة خاصة لشخص دون سواه، وليس تأسيس منهجاً في جذب الاستثمارات.