محاذير مراقبة الجامعات والمدارس
بسرعة، انتشرت عدوى تركيب كاميرات المراقبة في ساحات الجامعات ومرافقها. فبعد إعلان الجامعة الأردنية عن نشر نحو 250 كاميرا مراقبة، أعلنت جامعة مؤتة عن تركيب نحو 600 كاميرا، لمراقبة سلوك الطلبة وحركة الدخول والخروج من الحرم الجامعة. وفي السياق ذاته، وردت أنباء عن نية وزارة التربية والتعليم "إسناد حراسة المدارس إلى قوات الدرك، إضافة إلى تركيب كاميرات في المدارس، لضبط تسرب الطلبة الذكور، ومنع التجمعات الشبابية
أمام مدارس الإناث".
هذا يعني، عمليا، أن ثمة سياسة تتبلور في إدارة ملف العنف الجامعي والطلابي. لكن، وللأسف، يبدو أن المدخل الذي يدير هذه السياسة هو المدخل الأمني، ما قد يكرر أخطاء كبرى ارتُكبت في السابق، وبما قد يقود إلى "عسكرة المدارس والجامعات".
صحيح أن ملف العنف الطلابي في الجامعات صار قلقا يوميا للمجتمع والدولة؛ وصحيح أن فوضى علاقة المجتمع بالمدرسة، كما عكستها امتحانات "التوجيهي" الأخيرة في ضوء تشدد وزارة التربية والتعليم في حماية الامتحان ومنع عمليات الغش، قد أشارت (هذه الفوضى) بالنتيجة إلى حجم تراجع المكانة الأخلاقية للمؤسسة التعليمية وهيبتها في عيون الأردنيين؛ إلا أن كل ذلك لا يعني أننا أفلسنا من كل الحلول، فلم يبق إلا الحل الأمني المباشر، والسيطرة الكليّة، ومراقبة أنفاس الناس. ونتجاهل هنا أن ما قامت به وزارة التربية والتعليم في خطة استعادة هيبة امتحان "التوجيهي" يعد أنموذجا للحلول الممكنة؛ كثير من الحزم المؤسسي والإداري، وكفاءة في تحديد الأهداف وإدارة تنفيذها والوصول إليها.
لدينا مشكلة في الأردن تتمثل في أننا نكافئ المجتهد بأن نتكئ عليه، بل ونضع كل العبء عليه. وهذاء جزء من أمراض الثقافة المجتمعية السائدة، وحتى أمراض العمل العام. فالمؤسسة الأمنية هي وحدها المبرر لها أن تتبنى المدخل الأمني في معالجاتها، لأن ذلك جوهر عملها. وإذ استطاعت هذه المؤسسة إثبات حرفيتها وكفاءتها، فلا يعني ذلك أنه كلما واجهنا تحديا مجتمعيا أو مؤسسيا نذهب إلى المدخل الأمني في التعامل معه. ثمة سلسلة طويلة من الحلول لم تُجرب، على رأسها استعادة كفاءة العمل المؤسسي. فقريبا، قد نجد الشغل الشاغل لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات مراقبة الشاشات من مكاتبهم، وليس إدارة العملية التعليمية والبحث العلمي.
التطرف والذهاب بعيدا في استخدام المدخل الأمني، لا أساس قانونيا له. وعلاوة على كل الحديث عن انتهاك خصوصيات الأفراد -ونحن نتكلم هنا عن حرم جامعي وليس عن محطة قطارات في لندن- فإن ذلك يعني دفع الطلبة والأفراد إلى العمل السري إذا لم تتم معالجة جذور المشكلات.
علينا أن نذهب إلى نقطة أبعد من ذلك، بأن العنف الطلابي، والغش في الامتحانات، مصدرهما الخلل العميق الذي أصاب كفاءة المؤسسة التعليمية ومن يديرها؛ وأن أي علاج أو مقاربة يتجاوزان هذا المدخل، لن يضيفا إلا المزيد من الخلل، وربما بعض التهدئة التي لن تحصد إلا المزيد من تراكم المشكلة، وبالتالي المزيد من التعقيد وصعوبة الحلول.