بحثا عن الأمان المفقود
بقلم : ابراهيم الغرايبه
"بحثا عن الأمان المفقود" هو العنوان التوضيحي لكتاب "مجتمع المخاطر العالمي"؛ تأليف أولريش بيك، والذي يعتبره أنتوني غيدنز نظرية اجتماعية جديدة، توائم العولمة وتداعياتها الاجتماعية والسياسية.
يطلق الألماني أولريش بيك؛ أستاذ علم الاجتماع في جامعتي ميونخ ولندن، وصف مجتمع المخاطر العالمي بناء على العلاقات والقيم والأفكار العالمية التي بدأت تتشكل في مواجهة الأخطار العالمية غير المرتبطة بدولة، والتي لا يمكن السيطرة عليها أو إدارتها من خلال الحكومات وإدارات الحدود، كما لا يمكن التعويض عن الأضرار الناتجة عنها. ومن أمثلة هذه المخاطر: التغير المناخي الناتج عن أنشطة إنسانية، وبخاصة الصناعات والنقل التي تطلق كميات كبيرة من الغازات تؤدي إلى رفع حرارة الأرض، أو الإضرار بطبقة الأوزون في الجو؛ والإرهاب العالمي غير المرتبط بدولة أو مكان، ويستخدم وسائل وأساليب يصعب معرفتها أو توقعها، مثل العمليات الانتحارية. وبالطبع، فقد كان أهم مثال على ذلك تدمير برجي مركز التجارة العالمي في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، والأزمة المالية العالمية التي تشمل معظم، إن لم يكن جميع الأسواق والأنشطة المالية والاقتصادية في العالم.
وتستند ديناميكية مجتمع المخاطر هذا إلى الافتراض الذي يجعلنا نضطر، اليوم وفي المستقبل، إلى العيش في عالم مخاطر لم تكن موجودة من قبل، إلا أننا نعيش في عالم يجب أن يتخذ قرارا بشأن مستقبله، وفقا لشروط عدم الأمان المصطنع والمصنّع ذاتيا.
يتمتع الخطر بنفس القوة المدمرة للحرب، وسنصبح أعضاء في جماعة مخاطر عالمية، ولم تعد شأنا داخليا لدولة ما، كما أن أية دولة لا يمكنها أن تحارب الأخطار وحدها. والعلم لا يقلل بالضرورة من حجم المخاطر، بل يزيد حدة الوعي بها، ويجعلها مخاطر تبدو واضحة للعيان بشكل جماعي ومنظم.
وفي مواجهة (وتوقع) المخاطر العالمية (مثل البيئة والتغير المناخي والإرهاب والأزمة المالية)، يتغير مفهوم المجتمع في القرن الحادي والعشرين. ويمكن وصف هذا التغير بـ"عدم اليقين" و"اللحظة اللاقومية"؛ وهما مفهومان يشيران إلى تحول هائل وشامل في المجتمع.
وهناك تحول ثقافي عام يحدث؛ إذ ينشأ فهم آخر للطبيعة وعلاقتها بالمجتمع، وكذلك فهم أنفسنا نحو الآخرين والعقلانية والمجتمعية والحرية والديمقراطية والتشريع، والفردية. ويكون مطلوبا (وتنشأ بالفعل) أخلاقيات مسؤولية جديدة على مستوى كوكب الأرض، موجهة بحسب المستقبل، وتخلق هويات جديدة، وقوانين ومؤسسات دولية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وقد بدأنا بالفعل (كما يقول أولريش بيك) في بداية القرن الحادي والعشرين نرى المجتمع الحديث بعيون أخرى، بفعل النظرة المستمدة مما هو غير متوقع، والمنبثق عنها مجتمع مخاطر عالمي غير محدد. فأصبح القلق بشأن الكل مهمة الجميع؛ إذ لم يعد ممكنا التفكير في المجتمع والسياسة والتاريخ بشكل محدد قوميا، ومرتبط بمناطق اختصاص.
ما الذي نحتاجه وما الذي لا نحتاجه في قانون منع الإرهاب؟