ردن فليّح
بقلم : احمد حسن الزعبي
كلما تعالى الهرج والحديث في "الشِّق" كان تقف "صيته" على رجليها و ترخي حبل "المحرم" قليلاً لتتابع بنصف عين ماذا يقول زوجها "فليّح" في حضرة الرجال وما ردّة فعل العشيرة على كلامه أو رأيه..وفي كل مرّة كان يخيب ظنها ، فتجده هو هو يجلس في نفس المكان ويأخذ نفس الوضعيه يكتّف يديه ويضعهما في حجره ويحني ظهره للأمام ولا ينطق بكلمة واحدة...في التحضير للغزو وفي مناقشة شروط السلم في الجلوات والصلحات في التعاليل العادية، تنظر صيته من ثقب الساتر علّ زوجها أبدى رأياً أو شارك بقصة او اعترض على موقف دون فائدة ، فـ"فليّح" كما هو...يجلس في نفس المكان ويأخذ نفس الوضعية ويكتّف يديه ويضعهما في حِجْره حانياً ظهره للأمام دون ان يتكلّم بحرف واحد...
في ليلة ليلاء ، لم تستطع "صيته" إلا أن تعاتب زوجها المسكين ..فقالت له : ( يا رجل..ليش ما تهرج زي الزلم وتحكي وتسولف وتقول رايك تراك "فريت" مرارتي...وقصّرت رقبتي قدّام النسوان) ...ابتلع فليّح ريقه ..ثم حكّ شعره الطويل تحت الشماغ وبرر سكوته قائلا : ( يا حرمة..وشلون أسولف وردن ثوبي قصير...يوم أمد أيدي...تنكشف ذراعي...لو ردني طويل ترى أسولف والله أسولف..ما تعرفي فليّح...بس عاد اللي مقصّر لساني...طول رداني..) فردّت صيته هذه "هينة"..
في اليوم التالي قصّت صيته من ثوبها الطويل "شبراً" من القماش...وقامت بتطويل ردنيّ ثوب فليّح...حتى غطيا كفّيه تقريباً...
بعد ان لوّنت العتمة ما تبقى من زرقة الغروب ، اجتمع "الرّبع" في بيت الشيخ ، اخذ فليّح في تلك الليلة مكاناً مقابلاً للــ"مْحَرَم" ليتيح المجال لصيته ان تراه وتفخر به أثناء حديثه...دار القطروز بفناجين القهوة على الحضور ، و صيته تنظر بعين الزهوّ ما سيقوله زوجها المصون في هذه الليلة...لحظات ودون سابق إنذار أو مناسبة تنحنح فليّح وقال وهو يمدّ ذراعه ليري الناس الردن الطويل : ( وش أقول يا شيخ...)...نقز الشيخ وقال : (سمّ...يا فليح...)...فليّح...تنحنح ثانية وقال : ترى أن رحلتم من الديرة رحلنا..وان بقيتم بقينا....وان غزوتم غزينا...وان ما غزيتم ما غزينا..وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين)...هنا أرخت صيته حبل "المحرم" وقالت : الله ع بختك يا صيته (الــ....ي بيظل....ي...إن كان مكسي ولا عريّ"....
***
الأسبوع الماضي رصدت ردّات الفعل والحكومة والنواب..علّي أجد موقفاً "يفشّ الغل"..أو حديثا منطقياً ليس استعراضياً....دون فائدة... فــ"ردن فليّح" كان ممتداً من الرابع الى العبدلي، الجميع يريد أن يقول أنا هنا..ولا احد يريد أن يقول "هذا موقفي"......كل النواب الذي تحدثواتحت القبّة أو فوق القبّة ..على القنوات الفضائية أو إذاعات الإف ام ...كانوا يريدون ان يقولوا لناخبيهم "شايفينا واحنا بنحكي"!!...أبدا لم يكن في البال صناعة موقف وطني...بقدر ما كان في البال صناعة موقف شخصي...
احدى النائبات ،و تحديداً يوم دفن الشهيد زعيتر خرجت على فضائية خاصة...بلباس أحمر فاقع بدءاً من الاشارب والجاكيت وانتهاء بالوشاح وكأنه مكسور عليها "فلنتاين" من عشر سنوات..هذه النائب استطعت أن اعدّ لها خمس وعشرين كلمة (أنا ) في ثلاث دقائق ، انا أول من طالب..أنا أول من صوت..انا أول من نادى...ثم ختمت مقابلتها باسمها عندما قالت : لا تندهي يا "زعيلة" ما في حدا...وكأن" زعيلة" مركز الكون والعالم يلفّ حولها...
تريدون اعتذاراً من "إسرائيل"؟ الأولى أن تعتذروا لنا أولاً...