بلد المليون مديون
بعض الدول تأخذ شهرتها من تميز شعبها، وتفردهم بمنجزات وإبداعات وأوضاع جعلت منهم رمزا يتصفون به، بحيث يطلق على مثل هذه الدول ألقاب مقرونة بذلك التميز مثل " بلد المليون شهيد" ، أو "بلد المليون شاعر "، أو "بلد المليون نخلة "، أو حتى "بلد المليون لقيط "،إلا أننا في الأردن استحقينا بجدارة لقب "بلد المليون مديون" ...
نعم ، المواطن الأردني ليس مديونا فقط ، بل غارقا في الديون بدءا من القروض من البنوك لسداد أقساط بيت الملك " إن وجد "، وبأحسن الظروف يحوي غرفتين ملحقتين بمنزل الوالد في القرية ، أو شقة في عمارة يتشارك بها مع ثمانية جيران على الأقل، يتقاسمون شطف الدرج المشترك بينهم "بالدور" ، أو تلك الأموال التي اقترضها لتوفير مصاريف زواجه أو مساهمته في زواج أحد أبنائه ، وتلك الكمبيالات المستحقة لتسديد ثمن السيارة " إذا تمكن من الشراء " ، أو الثلاجة والغسالة والفرن ، وحتى" خلاطة الطعام " - إذا سمحت الظروف العائلية بذلك- والسخان الشمسي و"جيزر الغاز، ماركة الأرنب " لاستخدام العائلة في الحمام الاسبوعي، ناهيك عن دفع الأقساط المدرسية، إن كتب الله له وسجل أبناءه في مدرسة خاصة حديثة منزوية في طرف حارة البلدة الضيقة.
والأمر لا يتوقف عند تقسيط الحاجيات المنزلية الضرورية والأساسية ، بل يتعداه إلى أن المواطن الأردني يشترى من البقالة بالدين،ويفتح حسابا لتقسيط ما يترتب عليه من ( الكوى)، و" وبائع اسطوانات الغاز "، وفي كثير من الأحيان يكون مديونا إلى بواب العمارة التي يقطنها ، فكل شيء في حياته مسجل على دفتر الحساب أبو المربعات " النوتة " يتضمن أسعار المستلزمات التي سحبها من بقال أو لحام الحي، والتي ترتبت بفعل كرمه واستضافته لأفراد العائلة في بداية كل شهر؛ لكي تتشاور في شأن ( الجمعية الشهرية ) التي شكلت كضرورة ملحه لإنقاذ أفراد العائلة لبعضهم البعض في تسديد الديون المتراكمة عليهم ، وللتباحث حول آليات تسديد المبالغ المتراكمة لمن يعد أكثر الحاحا في طلبه لذلك الشهر؛ لسداد التزاماته التي تصل إلى حد دفع الأقساط المترتبة عن الملابس، التي يلبسها والتي لا يستطيع توفيرها لنفسه ولزوجته وأبنائه، إلا بالدين ومن خلال التقسيط الشهري وأيضا بالدين .
وتلاحق المواطن الأردني الأقساط الشهرية من كل حدب وصوب، وصولا إلى تقسيط ثمن جهاز فحص نسبة السكر في الدم ، وجهاز فحص الضغط ،الذي بات مرضا يصاب به المواطن كنتيجة حتمية لحالة ضيق ذات اليد ، وعدم قدرته على تلبية احتياجات أسرته الأساسية.
إلا أن ما يعزي هذا المواطن أنه لا يختلف عن الحكومة فيما تعانيه من عجز في الميزانية سواء الشهرية أو السنوية، ما يتطلب الأمر إلى اعادة جدولة الديون والقروض والعجوزات في موازنة العائلة، كنوع من الاقتداء بحكوماتنا الرشيدة المتعاقبة.
إن أكثر ما يدهش رجال الاقتصاد ويحيرهم حجم الديون المترتبة على المواطن الأردني ، والتي تفوق دخله الشهري بعشرات المرات ، بحيث تجد أن حجم الدين المترتب على البعض في الشهر الواحد يفوق دخل المواطن السنوي بطريقة يتعذر سدادها رغم إعادة جدولتها مرارا وتكرارا باقتراضه المستمر دون انقطاع ؛ لسداد القرض الأول والثاني والتالي ....، بحيث تجد المواطن الأردني وبكل فخر يولد مديونا ، ويعيش مديونا ، ويموت مديونا ، ويورث أبناءه الدين بعد وفاته .
إن المواطن الأردني يستحق أن يشيد له على أحد مداخل مدينته أو قريته نصب تذكاري لقدرته على العيش في العدم ، والانتقال من حالة العدم إلى العدم ذاته..
حقا إنه مواطن خارق ، يستطيع أن يحافظ على اتزانه ، رغم أنه يعيش ويموت وهو " مشنشل " بالديون ، ويكتفي برسم العقدة والكشرة .. وهو يردد عبارات الاستغفار ، وتكراره لعبارة : عمره ما انشنق مديون ..
ويبقى واحد من مليون .. مديون
Jaradat63@yahoo.com